للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه، وذكر هذا في ضمن ما نهى عنه من سائر الملابس؛ مثل العمامة والبرنس والقميص والمصبوغ بالورس والزعفران.

فمضمون هذا الحديث: هو المنهيُّ عنه من اللباس ليجتنبه الناس في إحرامهم، وكان قطع الخف إذ ذاك مأمورًا (١) به، وإن أفسده اتباعًا لأمر الله ورسوله حيث لا رخصة في البدل، ثم جاء حديث ابن عباس بعد هذا بعرفة ليس فيه شيء من المنهيَّات، إنما فيه الأمر لمن لم يجد الإزار أن يلبس السراويل، ولمن لم يجد النعل أن يلبس الخف، وترك ذكر بقية الملابس.

وهذا يبيِّن لذي لبٍّ أن هذه رخصة بعد نهْيٍ، حيث رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام الإحرام المشقة والضرورة بكثير من الناس إلى السراويلات والخفاف، فرخّص فيهما بدلًا عن الإزار والنعل، وأعرض عن ذكر بقية الملابس إذ لا بدلَ لها لعدم الحاجة إلى البدل منها. فإنَّ بالناس حاجةً عامة إلى ستر العورة شرعًا، وبهم حاجة عامة إلى الاحتذاء طبعًا، فإن الاحتفاء فيه ضرر عظيم ومشقة شديدة، خصوصًا على المسافرين في مثل أرض الحجاز.

واقتطع ذكر الخف والسراويل دون غيره: ليبيِّن أنه إنشاء حكمٍ غير الحكم الأول وبيانه، وأنه ليس مقصوده إعادة ما كان ذكره بالمدينة. إذ لو كان مقصوده بيان أنواع الملابس لذكر ما ذكره بالمدينة، فسمع ذلك ابن عباس وجابر وغيرهما، وأفتى بمضمونه خيار الصحابة وعامتهم، ولم يسمع ابن عمر هذا، فبقي يفتي بما سمعه أولًا. كما أن حديثه في المواقيت ليس فيه ميقات أهل اليمن، لأنه وُقِّت بعدُ. وكما أفتى النساء بالقطع حتى حدَّثته


(١) في النسختين: «مأمور» بالرفع.