للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا ــ والله أعلم ــ معنى قول الإمام أحمد، وقد سأله أبو طالب: أتجهر ببسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: بالمدينة نعم. وهاهنا من كان يقول إنها آية من كتاب الله, مثل ما قال ابن عباس: بسم الله الرحمن الرحيم آية. وأبو هريرة: هي إحدى [ص ٢٧١] آياتها. وابن الزبير كان يجهر (١) ببسم الله الرحمن الرحيم, ويتأولها (٢) أنها آية من كتاب الله.

وحمل (٣) القاضي هذا على أن أهل المدينة كانوا يرون الجهر, فإذا خافتَ استنكروا فعلَه، فلم يصلُّوا معه. وليس كذلك, فإنَّ أهل المدينة كانوا لا يقرؤونها سرًّا ولا جهرًا, فأراد أحمد - رضي الله عنه - أن يجهر بها الرجل هناك؛ ليبيِّن أن قراءتها سنة, ويكون قدوته في الجهر بها من جهَر بها من الصحابة على هذا التأويل. ولذلك ما أمر بقراءتها بعد الاستعاذة. قال: ومالك لا يرى ذلك, وما يعجبني هذا من قوله.

والجهر بها على [هذا] (٤) الوجه مستحب، لما قدَّمناه. فأما اتخاذ الجهر بها سنَّةً، فمكروه. نصَّ عليه في غير موضع, لأنه خلاف السنة. فأما النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا شك أن المعروف من حاله كان ترك الجهر, كما نطقت به الأحاديث الصحيحة, وعمل به الخلفاء الراشدون. وما نقل عنه من الجهر بها ــ إن صحَّ وكان (٥) له أصل ــ فله ثلاثة أوجه:


(١) انظر: «الأوسط» (٣/ ١٢٦). وفي الأصل والمطبوع: «كانوا يجهرون». ولعله سهو من النساخ.
(٢) قال الناسخ في الحاشية: «لعله: ويتأولونها» نظرًا لما كان في أصله: «يجهرون».
(٣) في الأصل: «وحمله»، ونبَّه الناسخ على صوابه في الحاشية.
(٤) زيادة منِّي.
(٥) في الأصل: «كان» دون واو العطف، والتصحيح من حاشية الناسخ.