للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، ولا تغفُلّنَ فنُنْسَيّن التوحيد - (وفي رواية: الرحمة) -، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ومستنطقات) (١).

فهذا أمر بالعقد بالأنامل، معلل بأنهن (مسؤولات ومستنطقات) فكيف يجيز الشيخ لنفسه، وللناس مخالفة هذا الأمر الصريح المعلل بهذه العلة التي تقضي بأنه لا يقوم مقام العقد شيء كالتسبيح بالسبحة أو الحصى لانتفاء العلة منها! !

ومما سبق يتبين للبصير أن الشيخ لم يستطع أن يوهن من شأن القرينتين السابقتين اللتين جعلتهما من الأدلة على بطلان حديث "السبحة" وعلى ذلك فهما سالمتان من النقد قائمتان بدلالتها أتم القيام.

قرينة ثالثة على بطلان حديث السبحة: هذا، وإني لأعتقد أن فيما مضى كفاية في إقناع الشيخ ببطلان هذا الحديث من حيث معناه، ومع ذلك فإني أضيف إلى ما تقدم قرينة أخرى على البطلان فأقول:

جاء في "لسان العرب" ما نصه: (السبحة) الخرزات التي يعد المسبح بها تسبيحه، وهي كلمة مولدة".

وفي شرح القاموس للزَّبيدي: "هي كلمة مُوَلَّدة، قال الأزهري، وقال شيخنا: إنها ليست من اللغة في شيء، ولا تعرفها العرب، وإنما حدثت في الصدر الأول إعانة على الذكر وتذكيرًا وتنشيطًا".

ومن المقرر في علوم اللغة وآدابها أن "المولَّد"، ما أحدثه المولدون الذين لا يحتج بألفاظهم، وأنهم الذين وجدوا بعد الصدر الأول (٢).

فهذا يدل دلالة ظاهرة على أن هذا الحديث (نعم المذكر السبحة) مختلق من بعد العصر الأول لأن لفظة "السبحة" ليست من لغته -صلى الله عليه وسلم- ولا من لغة أصحابه بشهادة أهل


(١) وهو حديث صحيح عند الشيخ كما يدل عليه احتجاجه به لاسيما وقد صححه الحاكم والذهبي وحسنه النووي والعسقلاني، وهو لا يستطيع أن يخالفهم كما يدل عليه صنيعه في هذه الرسالة.
(٢) انظر "المزهر في علوم اللغة وأنواعها" للسيوطي (١/ ٣٠٤) و"خزانة الأدب" (١/ ٤).