رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا "إن قومًا يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم" وايم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال: عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج".
قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري في صحيحه غير عمارة وهو ثقة. وأعتقد أن هذا البيان كاف لإقناع الشيخ بخطأه في إنكاره ما عزوته لابن مسعود من إنكاره العد بالحصى، وبعد ذلك يسلم لي الاحتجاج به على عدم ثبوت العد بالحصى في حديثي سعد وصفية لما سبق ذكره قريبًا.
ثم إن هذا الأثر الصحيح عن ابن مسعود مما يؤيد قولي الذي كنت قلته في "المقال": "إن ذكر الله تعالى في عدد مخصوص لم يأت به الشارع الحكيم- بدعة".
[الرد على الشيخ في تجويزه تقييد النصوص المطلقة برأيه!]
وقد رد هذا فضيلة الشيخ بدليل عجيب ما كنت أتصور صدوره من مثله! فقال (ص ٢٨ - ٢٩):
"أقول يرد قولك بأنه قد صح الترغيب في الإكثار من الذكر كحديث "أكثر (١) من قول لا حول ولا قوة إلا بالله" من غير تقييد إلى غاية معينة، قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد"(١٠/ ٨٧) عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"استكثروا من الباقيات الصالحات قيل: وما هي يا رسول? قال: التكبير والتهليل والتحميد والتسبيح ولا حول ولا قوة إلى بالله" رواه أحمد وأبو يعلى وإسنادهما حسن".
والجواب: إن هذا الحديث لو صح -ليس فيه إلا الحض على الإكثار من الذكر، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان فأين الدليل فيه على أنه يجوز للمسلم أن بأتي إلى ذكر لم يقيده الشارع بعدد، فيقيده هو من عنده؟ !
وهل هذا إلا تشريع من عند نفسه لم يأذن به الله تبارك وتعالى. ومن المقرر في علم أصول الفقه أنه لا يجوز تقييد ما أطلقه الشارع، كما لا يجوز إطلاق ما قيده ولا فرق، فالمطلق يجري علي إطلاقة، والمقيد يبقي عي قيده، ولهذا قال الإمام المحقق أبو إسحاق الشاطي في كتابه العظيم "الاعتصام" (٢/ ٩٤):