توطئة: عَرَفَتْ دمشقُ محدثَها الأكبَر العلامة الشيخ بدر الدين الحسيني، فلما توفاه الله خلت الديار من إمام تتجه الأنظار إليه في علوم الحديث، غير أن فتي أرناؤوطيًا - (نشأ نشأة علم وتقى، وكان له من اسمه نصيب هو الأستاذ محمد ناصر الدين) - عرف في أوساط الشباب بخدمته الحديث وعلومه، وجمع الشباب عليه، واشتهر بينهم، واستطاع بفصاحة لسانه العربي وطلاوة حديثه، وجودة مناقشته، أن يستأثر بنخبة تأخد عنه وتتلمذ عليه.
وإذ كان الحديث ثاني مصدر للفقه الإسلامي بعد كتاب الله، وكان يعتمد ما صح عند أهل الحديث مذهبًا لأهل الفقه، لذلك اشتهر بعض أنصار الشيخ ناصر بتركهم من الأحكام المذهبية ما عرفوا فيه حديثًا ثابتًا صحيحًا، وبعضهم كان يثير اللفظ، ومن هنا تألب على الأستاذ من تألب.
وأخيرًا نزل في دمشق الشيخ عبد الله بن محمد من آل شيبة (سدنة الكعبة)(وهو وليد الحبشة في هرر في ثالث بطن من مهاجرة أسرته)، وهو يحفظ من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة آلاف بروايتها، وله في فقه الشافعية حظ وافر، وكان مقدمه لدمشق لتتبع كتب الحديث وجمع قراءات القرآن ونحو هذا من خدمة الشريعة وعلومها.
ورأى فيه جماعة من أهل الدين والعلم خليفة للشيخ بدر الدين رحمه الله، فاستنصروا به على الشيخ محمد ناصر الدين، فجرت بينهما مباحثة في جو سبقت له الدعاية بين الطرفين بما جعل الشيخ عبد الله ينقطع عن المباحثة قبل الانتهاء إلى غاية الشوط، حتى إذا رأى الأستاذ الشيبي من بعدها بحوثًا تنشرها مجلتنا للشيخ محمد ناصر الدين في الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فإنه تتبع منها ما خالفه به في حديث "السبحة"، وأرسل إلينا بذلك مقالة هممنا بنشرها، ثم ما لبث أن نشر رسالة بعنوان "التعقيب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث".