حسن عنده بمجيئه من وجه آخر (١). ونص كلامه في ذلك قد نقله حضرة الشيخ من بعض تعليقاتي في الصفحة (١٩) من رسالته، فليعد النظر إليه حضرته إنّ شاء ليتأكد مِمَّا نقوله، وليظهر له جيدًا أَنَّهُ سريع الاتهام، جريء عليه بدون حق! .
فإذا تبين هذا للقارئ الكريم يظهر له أن الترمذي متفق معي على أن الحديث إسناده ضعيف، وإنَّما يبقى النظر في مراد الترمذي بقوله:"حَدِيث حسن" هل يريد أَنَّهُ حسن من جميع معانيه والأحكام التي وردت فيه في أم يريد بعض ذلك، فإن أراد هذا الثاني فلا اختلاف بيني وبينه أيضًا مطلقًا لأنني أقول بصحة الحديث فيما عدا التسبيح بالحصى كما سبق ذكره مرارًا، وهذا هو الراجح عندي؛ لأن الترمذي أورد الحديث في "باب في دعاء النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- وتعوذه في دبر كلّ صلاة" ولو أَنَّهُ أراد الأول لعقد له بابا آخر، كما فعل بعض المتأخرين مثل "باب جواز عد التسبيح بالنوى ونحوه" أو على الأقل لأورده في "باب مَا جَاءَ في عقد التسبيح باليد" الذي عقده في سننه ولأشار إليه في الباب بقوله:
"وعده بالنوى ونحوه" كما فعل ذلك البعض المشار إليه آنفًا، ولكنه لم يفعل شيئًا من هذا مطلقًا، وإنَّما اقتصر على إيراده في الباب السابق وأنا غير مخالف له في ذلك كما تقدم، فمن زعم أن التسبيح بالحصى ثابت عند الترمذي فعليه الدليل، وَلَا يَجوز أن يتمسك بقوله:"حَدِيث حسن" عند النزاع، لاحتمال أَنَّهُ لا يريد بذلك
(١) قال السيوطي في "التدريب" (ص ٥٠): "قال شيخ الإسلام (يعني ابن حجر): قد ميز الترمذي الحديث الحسن عن الصحيح بشيئين: أولها أن يكون راويه قاصرًا عن درجة راوي الصحيح، بل وراوي الحسن لذاته، وهو أن يكون غير منهم بالكذب، فيدخل فيه المستور والمجهول (قلت كحديث سعد هذا) ونحو ذلك، وراوي الصحيح لا بد وأن يكون ثقة، وراوي الحسن لذاته لا بد وأن يكون موصوفا بالضبط وَلَا يكفي كونه غير متهم. قال: ولم يعدل الترمذي عن قوله "ثقات" وهي كلمة واحدة إِلَى ما قاله إلَّا لإرادة قصور راويه عن وصف الثقة، كما هي عادة الثاني مجيئه البلغاء من غير وجه".