"فماذا ينفعك، وقد اعترفت بضعف أسناده؟ ولِمّ لم تفصح عن إسناد سابقه? " أما عدم إفصاحي عن الأثر السابق واكتفائي بالإشارة لضعفه فهو لأنه ليس في سنده رجل مضعف، بل رواته كلهم ثقات، وليس فيه إلا الانقطاع الذي سبق بيانه آنفًا، فاكتفيت ببيان انقطاعه مع ثقة رجاله؛ لأن بعض العلماء يحتجون بالمنقطع والمرسل إذا كان مرسله ثقة كما هو الأمر في هذا الأثر، ومن هؤلاء العلماء الحنفية الذين اتخذ بعضهم السبحة كأنها سنة! وهذا الصحابي الجليل ينكر ما هو دونهما!
وأما الفائدة من إيرادي لهذين الأثرين مع تضعيفي لأسناديهما فمن وجهين: الأول: استئناسي بهما على انكار السبحة. الثاني: إقامة الحجة على الحنفية بأثر ابن مسعود لأنه صحيح على قواعدهم، وقد تقرر في الشرع حسن مكالمة الناس بما يعقلون! على أن إنكار ابن مسعود للعدد بالحصى ثابت عنه عندنا قطعًا كما سيأتي بيانه، وإنكار الشيخ له لا يفيده إلا الكشف عن حقيقة علمه بالآثار! وعليه فهذا الأثر عن ابن مسعود صحيح لغيره عند الحنفية والشافعية وغيرهم، لتأيده بالطرق الأخري، فلعل فضيلة الشيخ قد ظهرت له فائدة هذا الأثر!
لقد كان المأمول من إنصاف الشيخ أن يستحسن تضعيفنا لهذين الأثرين مع أنهما حجة لنا وأن يعلن ذلك في رسالته، ولا يمنعه من ذلك ما بينه وبيني من الخلاف واعترافًا بالحق، وعملًا بقوله تعالى:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} لأنه قد يعلم أن القليل من الناس اليوم وقبل اليوم من يصرح بتضعيف سند دليله الذي يورده، وأن الأكثرين همهم أن يحتجوا بما يؤيدون به آراءهم من الأحاديث والآثار، ثبتت أسانيدها أو لم يثبت، وأنا لا أذهب بالقارئ بعيدًا في ضرب الأمثلة على ما ذكرته، فهاك فضيلة الشيخ المنتقد نفسه أورد في رسالته (ص ١١) حديث نبيط الأشجعي وحديث عمر في الورق المعلق مستدلًا بهما على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حض الصحابة على العمل بما لا يعرفونه! مع أنهما حديثان