وقد أقر فضيلة الشيخ استدلالي هذا بناء على إنكار ابن مسعود المذكور، ولكنه فيما يظهر لا علم له بهذا الإنكار، فإنه قال في رسالته (ص ٢٨) بعد أن نقل الشطر الأول من قولي السابق قال:
"يقال لك بأي سند تثبت هذا الإنكار عن عبد الله بن مسعود".
أقول: بسند كالجبل رسوخًا وثبوتا، وخفاء مثله عليه يدل العاقل على مبلغ علم الشيخ بالآثار! فإن هذا الأثر الذي يشير حضرته إلى إنكاره ورد من ثلاثة طرق عن ابن مسعود، في ثلاثة كتب من كتب الحديث المعروفة عند أهله! لكن المحدث اليوم هو الذي درس الكتب الستة فقط أو حفظها! فليراجع فضيلة الشيخ إن شاء التحقق مما قلت "كتاب الزهد" للإمام أحمد (ص ٣٥٨)، "سنن الدارمي"(١/ ٦٨ طبع دمشق)، "حلية الأولياء"(٤/ ٣٨٠ - ٣٨١)، ولتمام الفائدة أذكر هنا أصح هذه الطرق سندًا وأتمها متنا، وهي عند الدارمي من طريق عُمارة بن أبي حسن المازني قال:
"كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أَخَرجَ إليكم أبو عبد الرحمن بعدُ؟ (هو ابن مسعود) قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه (١)
(١) تنبيه: ينبغي أن يعلم أن قوله: "قمنا إليه" ليس من قبيل القيام للغير إكرامًا وتعظيمًا، وفرق كبير بين قول القائل: "قمت إليه" وقوله: "قمت له" فالأول يفيد الذهاب إليه إما لاستقباله أو لإعانته أو لغير ذلك من المقاصد الحسنة المشروعة. وأما قوله: "قمت له" فيفيد القيام لتعظيمه وإكرامه لا شي آخر، وهذا غير مشروع بل هو مكروه عند النبي -صلى الله عليه وسلم-: فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانوا لا يقومون له لما يعملون من كراهيته لذلك. رواه أحمد والبخاري في "الأدب المفرد" وغيرهما بسند صحيح على شرط =