للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مراتبها. قوله: (ووصفها إلخ) ظاهره أنه جعل جملة لا يبصرون صفة لظلمات، والعائد مقدّر أي فيها؟ ولو جعل حالا من ضميرهم استغنى عن التقدير ولا يخفى حسنه هنا لأنّ شأن المستضيء في الظلمة زوال إبصاره بالكلية عقب الضوء بخلاف غير المستضيء، فإنه قد يرى في الظلمة والوصفية أظهر في إفادة هذا المعنى. قوله: (وترك في الأصل بمعنى طرح إلخ) يعني أنّ أصل معنى ترك المشهور طرح

الشيء، وإلقاؤه كما يقال ترك العصا من يده أي رماها أو تخليته، وإن لم يكن في يده سواء كان محسوساً أو غيره كما يقال ترك وطنه وترك دينه، وقال الراغب: ترك الشيء رفضه قصداً وأختيارا أو قهراً واضطراراً، وفي المصباح تركت المنزل تركاً رحلت عنه، وتركت الرجل فارقته، ثم استعير في المعاني فقيل ترك حقه إذا أسقطه، وهذا لا كلام فيه وأنما الكلام في كونه من النواسخ الناصبة للمبتدأ والخبر بمعنى صير فذكر ابن مالك في التسهيل أنه من معانيه الوضعية، وأنه حينئذ ينصب مفعولين وعلى الأوّل ينصب مفعولا واحداً، وظاهر قول المصنف رحمه الله تعالى تبعاً للزمخشري إنه ضمن معنى صيرانه استعمال طارىء عليه غير وضعيّ، ويجوز أ! يكون وضعياً لأنهم يطلقون التضمن على جزء المعنى الوضعي كما في عرف أهل الميزان فيقولون من تضمنت معنى الاسنفهام، وكلامهم هنا يوهم أنّ الآية مقصورة على المعنى الثاني دون الأوّل، وفي أمالي ابن الحاجب إنه من القبيل الأوّل وهم مفعوله {فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} [البقرة: ١٧] حالان مترادفان من المفعول وقيل إنهم يجوّزونه أيضا وإنما تركوه لظهوره وعلى ما ذكرهم مفعوله الأوّل والثاني في ظلمات ولا يبصرون صفة أو حال من الضمير المستتر فيه، اً ومن هم أو خبر بعد خبر أو هي حال مؤكدة لا خبر وفي ظلمات حال لأنّ الأصل في الخبر أن لا يكون مؤكداً وإن جوّزه بعضهم فتأمّل. قوله: (فتركتة إلخ) هو من قصيدة عنترة المشهورة وهي من المعلقات السبع وأوّلها:

يا دارعبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحا دارعبلة واسلمي

ومنها في صفة بطل نازله:

ف! شككت بالرمح الطويل ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرّم

فتركته جزرالسباع ينشنه مابين قلة رأسه والمعصم

ومسك سابغة هتكت فروجها بالسيف عن حامي الحقيقة معلم

إلى آخر القصيدة، وهي طويلة فما ذكر صدر بيت منها عجزه ما ذكرناه وروي: يقضمن حسن بنانه والمعصم وضمير الغائب للبطل المدجج السابق ذكره في القصيدة، وتركته بالإسناد لضمير المتكلم وروي تركنه بالنون والضمير للنساء أو للقنا وجزر بفتح الجيم وسكون الزاي المعجمة، وبعدها راء مهملة كما ضبطه شرّاح المعلقات فعل بمعنى مفعول، ويقال لما تأكله السباع جزر السباع لأنها تجزره أي تذبحه بأنيابها، ويقال أجزرت فلاناً شاة إذا أعطيتها له كلها هذا ما يعتمد عايه هنا، وقيل جزير بضم فسكون أو بضمتين جمع جزرة، وهي شاة معدة للذبح والنوس التناول بسهولة والقضم بالقاف والضاد المعجمة اكل بمقدّم الأسنان، وعليه

الرواية هنا وليس كما قيل إنه بالفاء والمهملة بمعنى الكسر، والمعصم بكسر الميم موضع السوار من الساعد والبيت ليس بنص في العمل كالآية لاحتمال كون جزر السباع حالا أيضا، ومعناه تركته عرضة للسباع تأكله لإنهزام قومه ومنعهم عن دفنه أيضاً، وكونه معرفة إن سلم لا يسد باب الاحتمال. قوله: (والظلمة مأخو " إلخ) بيان لأصل المزيد والمجرّد المأخوذ منه، وظلم الثلاثي وإن أثبته أهل اللغة فعلا للظلمة أيضاً إلا أنهم أشاروا إلى أنّ أصل معناه يدور على المنع فلذا جعلوه مأخوذاً منه، وهذا ما عليه أهل اللغة في الاشتقاق وليس الزمخشري أبا عذرته وفي مثلثات ابن السيد الظلم بفتح الظاء شخص كل شيء يستبصر الناظريقال لقيته أوّل ذي ظلم أي أوّل شخص سد بصري، وزرته والليل ظلم أي مانع من الزيارة، وفي الأساس ما ظلمك أن تفعل كذا أي منعك، ومنه الظلمة لأنها تسد البصر وتمنعه من النفوذ فقيل هو بعيد جدا ووجه إستبعاده ما فيه من جعل المعنى الحقيقي المشهور مأخوذاً من معنى مجازيّ غير معروف، وقد عرفت

<<  <  ج: ص:  >  >>