فتأمّل. قوله تعالى: ( {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} الخ) قيل: إنه مرتب على ما قبله من النعم وقع في مقابلتها على اللف والنشر المشوّش، والمعنى إنك كنت يتيماً وضالاً وعائلاً فآواك وهداك وأغناك فمهما يكن من شيء فلا تنى نعمة الله عليك في هذه الثلاث، واقتد بالله فتعطف على اليتيم وترحم على السائل فقد ذقت اليتم والفقر، وقوله: {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} الخ في مقابلة قوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} لعمومه وشموله كذا في الكشاف وشروحه ولم يراع الترتيب لتقديم حقوق العباد على حقه تعالى فإنه غنيّ عن العالمين لا لرعاية الفواصل فإنه يحصل بالعكس ولا للترقي أو تقديم التخلية على التحلية لأنه غير مطرد، ولو أبقى على الترتيب لم يمنع منه مانع لأنه ذكر أحواله على وفق الترتيب الخارجيّ، ثم لف على الترتيب فعدم قهر اليتيم ظاهر، وعدم زجر السائل إذا أريد به طالب العلم والمتعلم منه في مقابلة هداية إلله له في طريق النظر ممالوحي وما معه، وما بعده في مقابلة الغني وهو ظاهر. قوله: (فلا تغلبه على ماله لضعفه) مف لمق بالنهي أو الغلبة وتقييد الغلبة بكونها على ماله باعتبار الأكثر الغالب، وقوله: فلا تكهر في تهذيب الأزهري الكهر القهر والكهر عبوس الوجه والكهر الشتم اهـ، وقوله: في وجهه ليس التقييد به اتفاقياً كما قيل فإنه إنما ينهى عنه إذا كان كذلك. قوله: (فلا تزجره) أي لا تغلظ له القول ورده بقول جميل، وهذا صادق على ما إذا أريد بالسائل السائل في أمر الدين أو غيره كما في الكشاف، وقوله: فإن التحدث بها شكرها ولذا استحب بعض السلف التحدث بما عمله من الخير إذا لم ئيرد به الرياء والافتخار وغيمّ الافتداء به، وقوله: وقيل المراد الخ مرضه لأنه غير مناسب لما قبله لا لكونه تخصيصاً بلا مخصص. قوله: (عن النبئ صلى الله عليه وسلم) الخ هو حديث موضوع (تمت) السورة والحمد لله والصلاة والسلام على خير الأنام وصحبه الكرام.
سورة ألم نشرح
وتسمى سورة الشرح ولا خلاف في عدد آياتها وهي مكية وقيل مدنية.
بسم الله الرحمن الوحيم
قوله: (ألم نفسحه الخ) قال الراغب: أصل الشرح بسط اللحم ونحوه، ومنه شرح
الصدر وهو بسطه بنور إلهيّ وسكينة من جهة الله وروح منه (قلت الما كان أصله بسط اللحم،
وفيه مذلة وتوسيع مستلزم لإظهار باطنه وما خفي منه استعمل في القلب الشرح، والسعة لأنه
محل الإدواك لما يسر وضده فجعل إدراكه لما فيه مسرة يزيل ما يحزنه شرحا وتوسيعاً وذلك
لأنه بإلهام ونحو. مما ينفس كربه ويزيل همه بظهور ما كان غائبا عنه وخفيا عليه مما فيه مسرته
كما يقال شرح الكتاب إذا وضحه، ثم استعمل في الصدو الذي هو محل القلب مبالغة فيه لأنّ
اتساع الشيء يتبعه اتساع ظرفه، ولذا تسمع الناس يسمون السرور بسطا ويقال في المثل البسط
صدف، ثم سموا ضدّ. ضيقاً وقبضاً، وهو من المجاز المتفرّع على الكناية بوسايط وبعد الشيوع
زال الخفاء وارتفعت الوسايط فاحفظه فإنك لا تراه في غير هذا الكتاب فقوله: ألم نفسحه أي
نوسعه بإلقاء ما يسره ويقوّيه، واظهار ما خفي عليه من الحكم والأحكام وتأييده وعصمته حتى
علم ما لم يعلم، وعرف الله معرفة من يراه قبل كل شيء فيناجيه ويدعو عبيده لما يرتضيه،
وهذا مما لا يمكن إظهاره بغير هذا القدر فتدبر. قوله: (وكان) أي عليه الصلاة والسلام غائبا
حاضرا هذه جملة حالية وأكثر أصحاب الحواشي على أنّ غائبا بغين معجمة وباء موحدة بعد
الهمزة اسم فاعل من الغيبة ضد الحضور، وحاضراً بحاء مهملة وضاد معجمة بعدها راء مهملة
من الحضور، والمراد أنه لجمعه بين مناجاة الحق ودعوة الخلق الذي كالجمع بين الماء والنار،
ولذلك نرى كثيراً من الأولياء لا يدري أمرا من أمور الدنيا حتى تلحقه العامّة بالحيوانات
العجم، ونرى كثيراً من أهل الدنيا لا يخطر الحق ببا حتى يلحق بجند إبليس، وربما كان إبليس
من جنده فلجمعه صلى الله عليه وسلم بين كمال الأمرين كان حاضراً مع الناس بجسده الشريف غائباً عنهم
بروحه، وحاضراً عن الحق في مقام مناجاته غائبا عنه بحسب الظاهر لمن يدعوه، ولذا جعلت
قرة عينه في الصلاة وسميت معراجا وحرم فيها الكلام، وقيل: