إنه عانيا بالعين المهملة والنون
من العناء وهو التعب وحاصرا بالحاء والصاد، والراء المهملات بمعنى ضيقا أي شرح صدره
ووسع قلبه للمناجاة والدعوة فاستراج بعد تعبه وضيق صدره والأوّل أقرب لنظر المصنف رحمه
الله تعالى فتدبر. قوله: (أو ألم نفسحه) أي نوسع الصدر الشريف فتوسيعه عبارة عن كثرة ما فيه من العلوم الإلهية وتضييقه عدمها، وقوله: أو بما يسرنا الخ فتوسيعه جعله متهيثاً لقبول الوحي مستعدّاً له والمعنى الأوّل شامل لهذا كله، ولذا قدمه:
فإنّ المهم المقدم
وما في قوله: بما أودعنا موصولة لتبيينها بقوله: من الحكم والعائد محذوف تقديره أودعنا.، وفي قوله: بما يسرنا مصدرية وكونها موصولة تكلف. قوله: (وقيل إنه إشارة الخ) شق الصدر الشريف مما لا شبهة فيه وقيل: إنه وقع مرارا والكلام عليه مفصل في كتب الحديث والذي مرضه المصنف إنما هو كونه مرادا من شرح الصدر هنا وهو رواية ضعيفة في سنن البيهقي وفي كون الملك الذي شق صدره جبريل توقف، وهما ملكان لم يسميا في الحديث. قوله: (أو يوم الميثاق) الظاهر أنّ المراد منه أخذ الميثاق على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في عالم الذرّ كما مرّ في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ} [سورة آل عمران، الآية: ٨١] ولا يخفى أنّ وقوع الشق فيه بعيد جدا، ولذا فسره بعضهم بليلة المعراج وهو بعيد من العبارة لكنه لو قيل إنّ المراد به وقت قبيل المعراج كان غير بعيد لأنه روى الشق قبله ليستعد لما سيراه في الملكوت فالميثاق بمعناه اللغوي أي الوثوق بنفسه على قدرته وتحمله، وقوله: فاستخرج الخ بيان لبقية أمر الشق كما بين في الحديث. قوله: (ولعله إشارة إلى نحو ما سبق) إن أراد لعل شق الصدر الوارد في الأحاديث إشارة لما سبق من توسيعه للمناجاة، والدعوة وإيداع العلوم والحكم فيه كما قيل فلا وجه له لصحته رواية وحمله على ظاهر. عند الجمهور، وإن أراد لعل تفسيره بما ذكر أو لعل كونه في يوم الميثاق كان أقرب إلى الصواب. قوله: (ومعنى الاستفهام الخ) بيان للمراد مع التوجيه للعطف لئلا يلزم عطف الخبر على الإنشاء فيما لا محل له من الإعراب، وهو مردود أو ضعيف لا توجيه لعطف المثبت على المنفي فإنه جائز بالاتفاق، وقوله: مبالغة في إثباته لأنّ الإثبات بإبطال كالدعوى ببينة لأن إنكار النفي مستلزم للإثبات بوجه أقوى، وقوله: ولذلك أي لكون معناه ما ذكر وقع ما ذكر معطوفا عليه من غير
لزوم المحذور السابق ولم يقل ونضع، وناثب فاعل عطف قوله: ووضعنا، وقوله: عبأك بكسر
العين المهملة وسكون الموحدة والهمزة بمعنى الحمل مطلقاً أو الثقيل منه فالصفة كاشفة.
قوله: (الذي حمله على النقيض) فالأفعال للحمل على الشيء وهو المصدر هنا كأبكاه إذا حمله
على البكاء أو هو بيان لأنّ إسناده للحمل الثقيل إسناد للسبب الحامل مجازاً، والنقيض الصرير
وهو معنى قوله: صوت الرحل بالحاء المهملة وهو رحل الجمل والقتب الذي يوضع عليه
وقاية لظهره، وقوله: عند الانتقاض من ثقل الحمل المراد بالانتقاض بالقاف التحامل عليه،
والضغط له بثقله عليه. قوله: (وهو ما ثقل عليه من فرطاته الخ) الفرطات بفتحتين جمع فرطة
وهي الذنب المتقدّم يعني المراد بالحمل المنقض هنا ما صدر منه قبل البعثة مما يشق عليه
تذكره، أو المراد عدم علمه بالشرائع ونحوها مما لا يدرك إلا بالوحي مع تطلبه له، وقول
المصنف جهله عبارة قبيحة لجراءته على التصريح بما لم يصرح به الله فهو ترك أدب فكان عليه
أن يتأدب بآداب الله فيه، فالحمل مستعار للفرطات بواسطة أن كلا منهما مما يشق ويصعب،
وكذا عدم الوقوف على ما مرّ فوضحعه على الأوّل مغفرته وعلى الثاني تعليمه بالوحي ونحو..
قوله: (أو حيرثه) أي الحمل مستعار لتحيره في بعض الأمور كشكر ما أنعم به عليه وآداء حق
الرسالة فهو كقوله: وجدك ضالاً فهدى فوضعه إزالة ما يؤدي للحيرة، وقوله: أو تلقي الوحي
أي الحمل الثقيل الوحي وتلقيه في ابتداء أمره فوضعه عنه بتيسيره له بتدرّبه واعتياده له، وقوله:
أو ما كان يرى الخ بتشبيه ما يشاهده منهم مع عجزه عن الإرشاد لعدم إطاعتهم له لعدم إذعانهم
إلى الحق أو لإصرارهم على العناد بالحمل الثقيل لأنه يشق عليه ووضعه عنه بتوفيق بعضهم
للإسلام كحمزة وعمر ونحوه، وقيل: إنّ قوله وضعنا الخ كناية عن عصمته وتطهيره ومن دنس
الأوزار ففيه على الوجوه استعارة تمثيلية والوضع ترشيح لها. قوله: (بالنبوّة) متعلق برفعنا أو
بذكرك، والمراد أنه شرف ذكره حيث خاطبه بنحو يا أيها النبيّ يا أيها الرسول، وقوله: وأفي
رفع الخ