منشأ الغلط إذ بالغفلة عنه ظن أنه إخبار لوجود خارج يطابقه وهو الاتصاف، ولا خارج للإنشاء، وأنت تعلم أن هذا خارج عن المفهوم، وهو الوصف الجميل وتمامه، وهو المركب منه ومن كونه على وجه ابتداء التعظيم لا خارج له بل هو ابتداء معنى لفظه علة له انتهى قلت إن نظرت بدقيق النظر إلى ما قال فهذا كلام لا يخلو من اختلال فإنه لا يلزم في كل إنشاء صحة اشتقاق اسم فاعل صفة للمتكلم به منه بل إنما يكون إذا كان إنشاء لحال من أحواله كما فيما نحن فيه، ولا فرق فيه بينه وبين الخبر في ذلك، فكما يصح أن يقال حامد يقال لمن ضربت ضارب فإن لم يكونا كذلك لم يصح فيهما، وكما لا يقال لمن قال زيد قائم إنه قائم لا يقال لمن قال: اضحرب إنه ضارب وهذا لا يختص بالأمر، ألا ترى أنّ قوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ}[البقرة، الآية: ٢٣٣] أنها خبرية لفظا وانشائية معنى لأنها لأمرهم بالإرضاع ولا يطلق عليه تعالى مرضحع، كذا نحو قاتله الله جملة إنشائية معنى خبرية لفظاً، ولا يقال لقائلها قاتل، وهذا تخيل فاسد والذي غرّه صيغ العقود، وقد علمت وجهه فيها وأنها لا تختص بها وما نحن فيه من قبيلها، فتأمّل منصفاً. قوله:(ونبه على أنه المستحق له الخ) يعني أنه أخبر أوّلاً أنه حقيق بالحمد باعتبار ذاته تعالى، ولذا لم يقل للمنعم ونحوه، ثم نبه على استحقاقه باعتبار الأنعام تنبيها على تحقق الاستحقاقين، وأعلم أن الحمد لغة الثناء بالجميل الاختياري تعظيما، وعرفا فعل ينبئ عن تعظيم المنعم فقد تضمن محموداً به ومحمودأ عليه، إن قلنا إنه مغاير للمحمود به، ومعتبر فيه كما يعلم تحقيقه من شرح المطالع وحواشيه، وأمّا المستحق للحمد فهو المحموإ، ولا يشترط فيه ذلك بل لا يصح، قال الفاضل الليثي المراد بالاستحقاق الذاتي استحقاقه تعالى الحمد بجميع صفاته وأفعاله كما أشار إليه الشريف في شرح الكشاف حيث قال: لما كانت صفاته عين ذاته أو مستندة إليها. وكانت أفعاله متفرّعة على صفاته كان استحقاقه العبادة لصفاته، وأفعاله راجعا إلى الاستحقاق الذاتي، أقول هذا مردود من وجهين، الأوّل أن المحمود لا يشترط فيه أن يكون اختياريا كما مرّ فحينئذ التعظيم، وهو الحمد العرفي الذي الحمد اللغويّ نوع منه، وأقصاه العبادة يضاف إلى الذات من غير تأويل بل هو الطرف الأعلى كما صرّج به في الإشارات في مقامات العارفين، وقال الرازي في شرحه: أعلم أنهم في ذلك ثلاث طبقات. فالأولى: في الكمال والشرف الذين يعبدونه لذاته لا لشيء آخر، والثانية: وهي التي تلي الأولى في الكمال الذين يعبدونه لصفة من صفاته، وهي كونه مستحقا للعبادة، والثالثة: وهي آخر درجات المحققين الذين يعبدونه لتستكمل نفوسهم بالانتساب إليه انتهى، والعجب كيف خفي مثله على هؤلاء الفحول، فإن قلت كيف يتصوّر تعظيم الذات من حيث هي قلت لو وقع ذلك ابتداء قبل التعقل بوجوه الكمال كان كذلك أما بعد معرفة المحمود بسمات الجمال، وتصوّره بأقصى صفات الكمال فلا بدع في أن يتوجه إلى تمجيده وتحميده
مرّة أخرى بقطع النظر عما سوى الذات بعد الصعود بدرجات المشاهدات، وإذا قال أهل الظاهر:
صفاته لم تزده معرفة لكننا لذة ذكرناها
فما بالك بهؤلاء وهم القوم كل القوم، الثاني أن ما استند إليه من كلام السيد السند غير
مفيد لمدعاه بل شاهد عليه لأن صاحب الكشاف قال: لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه تلك الصفات اا! ظام تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء، وغاية الخضوع وألاستعانة في المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات فقيل إياك يا من هذه صفاته تخص بالعبادة، والاستعانة لا نعبد غيرك، ولا نستعينه ليكون الخطاب أدل على أنّ العبادة له لذلك التمييز الذي لا تحق العبادة إلا به، فقال الشريف: في أثناء تحقيقه ولما كانت صفاته إمّا عين ذاته أو مستندة إليها وحدها، وكانت متفرّعة عن صفاته الذاتية كان استحقاقه العبادة بصفاته وأفعاله راجعاً إلى الاستحقاق الذاني، أقول يريد قدس سرّه أنه لما تحصل من ضمير الحطاب الدال على تلك الصفات، ومن تقديمه الدال على الحصر أن استحقاق العبادة ليس إلا لذلك، والحال أنّ الاستحقاق الذاتي مقرّر بل هو المطلوب الأعلى فلا يصح الحصر، أجاب بأنه لا ينافيه إلا إذا كان مغايراً له رأسا، وأمّا إذا كان عينه أو راجعاً إليه فلا، فلذا جعل الاستحقاق الذاتي أصلاً وأرجع