الاستحقاق بالصفات إليه ولو كان معناه ما ذكره المحشي لعكس، لأنه جعل الاستحقاق بالذات راجعا إلى جميع الصفات، وتسميته ذاتيا بنوع تأوّل، وقد اهتدى إلى هذا بعض الفضلاء فقال في شرح كلامه هذا إشارة إلى دفع سؤال مقدر، وهو أن العبادة هي الحمد فإذا كان استحقاقه إياها منحصراً في التمييز بتلك الصفات كما يدلّ عليه قول المصنف لا تحق العبادة إلا به لم يثبت الاستحقاق الدّاتي بالنسبة إليها انتهى، وتحقيق هذا المقام مما أفاضه وليّ الفيض عليّ وقد غفل عنه كثير منهم وأشار بقوله أخبر إلى خبريتها ولم يجعلها إنشاء، وان صح ولا بتقدير قول لما سيأتي، وأشار بقوله! حقيق إلى أن اللام للاستحقاق، وتحقيق هذا المقام في سورة الفاتحة، وقيل إنما جعلها خبرية لتكون حجة لأنّ الإنشاء لا يكون حجة إلا بملاحظة الإخبار فالحجة إنما هو الإخبار فلذلك قال: ليكون حجة، ولم يقل ليظهر كونها حجة، وأمّا كونها أصلا فمعارض! بكونها علما في الإنشاء إذ لا يمكن الحمد إلا بصيغة الأخبار، وما قيل في وجهه ليصح عطف، ثم الذين كفروا عليه فيه أنه يجوز عطفها على خلق السماوات أو جعلها الإنشاء الاستبعاد والتعجب، أتول إن اتصافه بكونه حقيقا بالحمد ثابت في نفس الأمر، ومدلول هذه الجملة مطابق له والسورة أنزلت لبيان التوحيد ورح الكفرة، والأعلام بمضمونها على وجه الخبرية يناسب المقام وجعلها لإنشاء الثناء لا يناسبه، وأمّا قوله ليكون حجة فمتعلق بقوله نبه لأن الحجة في النعم الجسام التي لا يوجدها غيره، وأمّا الإخبار باستحقاق الحمد فالحجة فيه تحتاج إلى تكلف بعيد، فان قلت كيف تكرن إنشائية ولها خارج
تطابقه، قلت تجعل لمجرّد الثناء كما في رب إني وضعتها أنثى للتحسر، ولذا قال بعضهم حمل الكلام على ظاهره من الإخبار مع احتمال الإنشاء بأن يكون المراد به ثناء أثنى الله به على نفسه كما قال الإمام لأن الإخبار أدل على الاستحقاق من إنشاء فرد منه ومن لم يفهمه اعترض عليه بأن كون لمقصود ثناء الله على نفسه لا يوجب كون الجملة إنشائية البتة، وأجاب بما لا طائل تحته، وفي التعبير بالتنبيه إشارة إلى أنه في غاية الظهور، وقيل إنما جعلها خبرية لما في حملها على الإنشاء من إخراج الكلام عن معناه الوضعيّ من غير ضرورة. قوله:(ليكون حجة على الذين هم بربهم يعدلون) عين تعلق الباء بيعدلون، وكون يعدلون من العدل دون العدول، ولم يقل على الذين يعدلون ليعمّ كلامه الاحتمالين لاقتضاء سياق كلامه ذلك هنا ألا ترى إلى تعريف المسند في قوله المستحق بلام التعريف الدالّ على التخصيص فتأثل. قوله:) وجمع السماوات دون الأرضر الخ (في المثل السائر من محسنات الكلام المؤاخاة بين الألفاظ فإذا جمع أحد المتقابلين ينبغي أن يجمع الآخر، ولذا عيب على أبي نواس قوله:
ومالك فاعلمن فيها مقام إذا اص! لت آجالاً ورز! ا
وقيل: كان ينبغي أن يقول وأرزاقا وكنت أرى أن هذا الضرب من الكلام واجب حتى مز
بي في القرآن ما يخالفه كقوله تعالى:{يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ}[سورة النحل، الآية: ٤٨] وقوله: {طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ}[سورة النحل، الآية: ١٠٨] انتهى والزمخشريّ أشار في مواضع من الكشاف إلى أنه هو الأصل وأنه لا يعدل عنه إلا لنكتة وتبعه المصنف. قوله:) وهي مثلهن) إشارة إلى قوله تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[سورة الطلاق، الآية: ٦٢] قال المصنف في تفسيرها أي وخلق مثلهن في العدد من الأرض والظاهر منه التعدد الحقيقيّ، وقيل المراد الأقاليم السبعة. قوله:(لآن طبقاتها مختلفة بالذات الخ) وقال المصنف رحمه الله في سورة البقرة: جمع السموات، وأفرد الأرضى لأنها طبقات متفاضلة بالذات مختلفة بالحقيقة بخلاف الأرضين، ومراده واحد فيهما إلا أنه أجمل هنا فعمم في الاختلاف لما يشمل اختلافهما ذاتا، وحقيقة وقيل عليه إنه لا يوافق مذهب أهل السنة فإن الأجسام متساوية عندهم، وبه استدل على جواز قبول السماوات الخرق والالتئام وامكان المعراج، ولا مجال لإرادة الاختلاف الشخصيّ لأن الأرض أيضاً كذلك قال الله تعالى:{وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [سورة الطلاق، الآية: ١١٢ وقد جاء في الأحاديث النبوة أنه صلى الله عليه وسلم قال: " هل تدرون ما هذه قالوا: هذه أرض، هل تدرون ما تحتهأ قالوا: الله ورسوله أعلم قال أرضر أخرى وبينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عدّ سبع