للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأشار به إلى بيان المعنى وأن في النظم مفعولاً مقدرا، وضمير فيه على التعدّي راجع إليه، كما أشار إليه بقوله: أخذوه المفسر به مشوا فيه، إذ ليس المشي في البرق بل في محله، وعلى اللزوم فيه مضافان مقدران، كما أشار إليه بقوله: مطرح نوره وكون في للتعليل، والمعنى مشوا لأجل الإضاءة فيه، كما قيل ركيك لا يليق تنزيل نظم التنزيل عليه لمن له ذوق في العربية. قوله: (وكذلك أطلم) أي هو مثل أضاء في التعدي وا أطزوم، وفي التشبيه إيماء إلى جواز أن يحمل عليه كما يحمل الضد على الضد في ذلك، وقال بهاء الدين بن عقيل رحمه الله: إذا كان أظلم متعدياً فالفاعل ضمير الله، أو البرق أي أفسم ابى ق بسبب خفائه معاينة الطريق، والظاهر الثاني على الوجهين، والإسناد مجازيّ كما يعله من قوله بسبب خفائه.

وفي الصحاح ظلم الليل بالكسر، وأظلم بمعنى حكاه الفرّاء، وعلى التعدي فالهمزة

نقلت ظلم كفرح من اللزوم إلى التهرزي كما أشار إليه المصنف رحمه الله، ولم يبين اللزوم لظهوره والإتفاق عليه، وكون ظلم بمعنى أظلم، كما نقل عن الفرّاء لا ينافي نقل الهمزة له كما توهم، فإنّ الهمزة لها معان فلا مانع من إشتراكها في كلمة واحدة. كاكب، فإنه ورد متعدّيا، وهمزته للنقل، ولازما وهمزته للصيرورة، وكذا ما نحن فيه. قوله: (ويشهد له قراءة أظلم إلخ) أي يدل له دلالة بينة ناطقة بتأييده قراءته مبنيا للمجهول في قراءة شاذة منسوبة ليزيد بن قطيب، وقيل عليه أنّ شهادة ما ذكر شهادة زور مردودة بجواز كونه لازماً مسنداً إلى الظرف وهو عليهم، وأجيب بأنّ عليهم مقابل لهم فإن جعلا مستقرّين لم يصح أن يقوم عليهم مقام الفاعل أصلاً، وان جعلا صلتين للفعل على تضمين معنى النفع والضر ففيه نظر، لأنه يصلح لأن يقوم

مقام فاعل المضمن دون المضمن فيه، وعلى تقدير صلوحه فعطف إذا أظلم على كلما أضاء مع كونهما معاً جوابا للسؤال عما يصنعون في تارتي البرق، يقتضي أنّ أظلم مسند إلى ضمير البرق كأضاء، على معنى كلما نفعهم البرق بإضاءته اعترضوه، وإذا ضرّهم باختفائه دهشوا، ومبنى البلاغة على رعاية المناسبات.

وقد يجاب أيضاً بأنّ بناء الفعل للمفعول من المتعدي بنفسه أكثر فالحمل عليه أولى ولا يخفى ما فيه، وأمّا احتمال إضمار ضمير المصدر كما في قعد أي فعل القعود ففي غاية البعد مع أنه مدفوع أيضاً بما ذكر، فإن قيل إنما غير لأسلوب ولم يعتبر المناسبة لأنّ إظلام البرق غير معقول، فيحتاج إلى أن يتجوز عن إختفائه كما مرّ، قيل إلاً بلغية تقاوم مخالفة الأصل مع أنه لا بدّ منه في غيره أيضاً.

أقول هذا ما قاله شراح الكتابين برمته لم يترك منه إلاً ما لا خير فيه.

وفيه بحث لأنه تطولل للمقذمات من غير نتيجة، لأنّ حاصل المدّعى إن أظلم قد يتعدّى بدليل هذه القراءة لاتفاق النحاة على أنّ المطرد بناء المجهول من المتعدي بنفسه، فاعترض عليه بأنّ الأفصح المستعمل لزوم أظلم، ٩ يجوز إبقاؤه على أصله في هذه القراءة بما ذكر فلا ينهض الدليل، فإن قيل إنّ المعترض عدل عن الأصل قيل هو بعينه لازم للمستدل، وأمّا كون الظرف مستقرا هنا فلغو لا احتمال له، وتعلقه باعتبار الضرّ والنفع نظرا للام، وعلى ليس بشيء لأنه مخصوص بفعل الذعاء كدعا له وعليه ألا ترى قولهم صلى عليه وأوقد له نار الحرب وأمثاله مما لا يحصى، والضرّ والنفع هنا مفهوم من المنطوق من غير احتياج للتضين أصلاً، ولذا قيل إنه مؤيد مستأنس به لا دليل فتأمّل. قوله: (وقول أبي تمام إلخ) أبو تمام كنيته واسمه حبيب بق أوس بن الحارث بن قيس الطائي قبيلة الشامي مولداً، وهو مع فصاحته التامة كان من كبار الأدباء والعلماء في عصره، وديوانه مشهور شرحه الكبار، وروى عنه الأخيار وألف الصولي كتابا في أخباره وآثاره، والبيت المذكور من قصيدة له مدح بها عيام! بن لهيعة الحضرمي أوّلها:

تقي جمحاتي لست طوع مؤنبي وليس جنيي إن عذلت بمصحبي

ومنها:

أحاولت إرشادي فعقلي مرشدي أم استمت تأديبي فدهري مؤدّبي

هما أظلماحاليّ ثمت أجلياف، ميهما عن وجه أمرد أشيب

إلى آخرها، ومن أرادها فلينظر ديوانه.

وقال الإمام التبويزي: في شرح ارديوان جعل أظلم متعديا وذلك قليل في الاستعمال،

وهو في القياس جائز قياساً على قول من قال ظلم الليل بمعنى أظلم، فإن ادّعى أنّ أظلم ههنا غير متعد، وأنّ حاليّ منصوب انتصاب الظرف، فقوله أجليا ظلاميهما يدفعه لأنه عدي أجليا إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>