للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما سقته فليمعن النظر في أهل عصره هل يستطيع أحد من أهل العلم أن يخالف ما يهواه السلطان من المذاهب فضلًا عن أن يصرح للناس بخلافه هذا، على فرض أن ذلك الذي يهواه الملك بدعة من البدع الشنيعة التي لا خلاف في شناعتها ومخالفتها للشريعة، كما تعتقده الخوارج والروافض فإن السنّة الصريحة المتواترة التي لا خلاف فيها قد جاءت بقبح ذلك وذم فاعله وضلاله.

فانظر هداك الله وإياي، من يتكلم من أهل العلم الساكنين في أرض الخوارج كبلاد عمان ونحوها بما يخالف مذهب الخوارج أو ينكر ذلك عليهم أو يرشد الناس إلى الحق. وكذلك من كان ساكنًا من أهل العلم ببلاد الروافض كبلاد الأعاجم ونحوها، هل تجد رجلًا منهم يخالف ما هم عليه من الرفض فضلًا عن أن ينكره عليهم، بل قد تجد غالب من في بلاد أهل البدع من العلماء الذين لا تخفى عليهم مناهج الحق وطرائق الرشد يتظهرون للملوك والعامة بما يناسب ما هم عليه، ويوهمونهم بأنهم يوافقونهم وأن تلك البدعة التي هم عليها ليست ببدعة بل هي سنة وحق وشريعة، ويعملون كعملهم ويدخلون في ضلالهم فيكونون ممن أضله الله على علم.

فمن كان من أهل العلم هكذا فهو لم ينتفع بعلمه، فضلًا عن أن ينتفع به غيره فعلمه محنة له وبلاء عليه والجاهل خير منه بكثير فإنه فعل البدعة ووقع في غير الحق معتقدًا أن ما فعله هو الذي تعبّده الله به وأراده منه، فيا من أخذ الله عليه البيان، وعلمه السنّة والقرآن، إذا تجرّيت على ربك بترك ما أخذه (١) عليك وطرح ما أمرك به. فقف عند هذه المعصية وكفى واجعل (٢) ما علمته كالعدم لا عليك ولا لك، ودع المجاوزة لهذه المعصية إلى ما هو


(١) في (ب) النبذة.
(٢) في (ب) وقس.

<<  <   >  >>