أشد منها وأقبح من ترويج بدع المتبدعين والتحسين لها، وإيهامهم أنهم على الحق فإنك إذا فعلت ذلك كان علمك - لا علمت - بلاء على أهل تلك البدع بعد كونه بلاء عليك لأنهم يفعلون تلك البدع على بصيرة ويتشددون فيها ولا تنجع فيهم بعد ذلك موعظة واعظ ولا نصيحة ناصح، ولا إرشاد مرشد لاعتقادهم فيك - لا كثّر الله في أهل العلم من أمثالك - بأنك عالم محقق متقن قد عرفت علوم الكتاب والسنّة، فلم يكن في علماء السوء شرّ منك ولا أشد ضررًا على عباد الله. وقد جرت قاعدة أهل البدع في سابق الدهر ولاحقه بأنهم يفرحون بصدور الكلمة الواحدة عن عالم من العلماء ويبالغون في إشهارها وإذاعتها فيما بينهم ويجعلونها حجة لبدعتهم ويضربون بها وجه من أنكر عليهم، كما تجده في كتب الروافض من الروايات لكلمات وقعت من علماء الإسلام فيما يتعلق بما شجر بين الصحابة، وفي المناقب والمثالب فإنهم يطيرون عند ذلك فرحًا ويجعلونه من أعلم الذخائر والغنائم.
فإن قلتَ: لا شك فيما أرشدت إليه من وجوب الصدع بالحق والهداية إلى الإنصاف وتأثير ما قام عليه الدليل الصحيح على محض الرأي وبيان ما أنزله الله للناس وعدم كتمه لكن إذا فعل العالم ذلك وصرخ بالحق في بلاد البدع وأرشد إلى العمل بالدليل في مدائن التقليد قد لا يتأثر عن ذلك إلّا مجرد التنكيل به والهتك لحرمته وإنزال الضرر به.
قُلتُ: إنما سألت هذا السؤال وجئت بهذا المقال ذهولًا عما قدمته لك وأوضحته وكررت من حفظ الله للمتكلمين بالحق ولطفه بالمرشدين لعباده إلى الإنصاف وحمايته لهم عن ما يظنه من ضَعُف إيمانه وخارت قوته ووهت عزيمته، فارجع النظر فيما أسلفته وتدبّر ما قدمته تعلم به صدق ما وعد الله عباده المؤمنين من أن العاقبة للمتقين.
ثم هب صدق ما حدستَه، ووقوع ما قدَّرتَه وحصول المحنة عليك