للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما في ديارنا هذه فقد لقنهم من هو مثلهم في القصور والبعد عن معرفة الحق ذريعة إبليسية، ولطيفة مشؤومة هي أن دواوين الإسلام الصحيحين والسنن الأربع وما يلتحق بها من المسندات والمجاميع المشتملة على السنّة إنما يشتغل بها ويكرر درسها ويأخذ منها ما تدعو حاجته إليه من لم يكن من اتباع أهل البيت لأن المؤلفين لها لم يكونوا من الشيعة، فيدفعون بهذه الذريعة الملعونة، جميع السنة المطهرة لأن السنة الواردة عن رسول الله هي ما في تلك المصنفات ولا سنة غير ما فيها، وهؤلاء وإن كانوا لا يعدون من أهل العلم ولا يستحقون أن يذكروا مع أهله ولا تنبغي الشغلة بنشر جهلهم وتدوين غباوتهم، لكنهم لما كانوا قد تلبّسوا بلباس أهل العلم وحملوا دفاتره، وقعدوا في المساجد والمدارس، اعتقدتهم العامة من أهل العلم، وقبلوا ما يلقنونهم من هذه الفواقر فضلوا وأضلوا وعظمت بهم الفتنة وحلّت بسببهم الرزية، فشاركوا سائر المقلدة في ذلك الاعتقاد في أئمتهم الذين قد قلدوهم واختصوا من بينهم بهذه الخصلة الشنيعة، والمقالة الفظيعة فإن أهل التقليد من سائر المذاهب يعظمون كتب السنّة ويعترفون بشرفها وأنها أقوال رسول الله وأفعاله وأنها هي دواوين الإسلام وأمهات الحديث وجوامعه التي عوّل عليها أهل العلم في سابق الدهر ولاحقه، بخلاف أولئك فإنها عندهم بالمنزلة التي ذكرنا فضمّوا إلى شنعة التقليد شنعة أخرى هي أشنع منها وإلى بدعة التعصب بدعة أخرى هي أفظع منها (١) ولو كان لهم أقل حظ من علم وأحقر نصيب


(١) هذا صنيع بعض متعصبي الزيدية، في عصور الإنحطاط والجمود، والذين تجاوزوا إطار المذهب الزيدي وعقلانيته واعتداله، وجنحوا إلى التقليد والغلو في التشيع (راجع ما ذكرناه حول هذا الموضوع في مقدمة التحقيق ص ٥٩ - ٦٢).
وقد يدفع التعصب بالبعض منهم إلى هذا المنزلق الخطير، ذكر الشجني أن أحد هؤلاء المتعصبين ألّف رسالة سماها "المنقذة من الغواية" جزم فيها بأن ترك القراءة في الحديث أولى من البحث فيه، (التقصار ص ٢٣٠). =

<<  <   >  >>