للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هذه الأدوية، فإنه قد ارتكز في ذهن غالب هؤلاء إن الصحة والسلامة لهم هي في نفس العلة التي قد تمكنت من أذهانهم فسرت إلى قلوبهم وعقولهم وأشربوا من حبها زيادة على ما يجده الصحيح عن العلة من محبة ما هو فيه من الصحة والعافية، وسبب ذلك: أنهم اعتقدوا أن إمامهم الذي قلدوه ليس في علماء الأمة من يساويه أو يدانيه، ثم قبلت عقولهم هذا الاعتقاد الباطل وزاد بزيادة الأيام والليالي حتى بلغ إلى حدّ يتسبب عنه أن جميع أقواله صحيحة جارية على وفق الشريعة، ليس فيها خطأ ولا ضعف وأنه أعلم الناس بالأدلة الواردة في الكتاب والسنّة على وجه لا يفوت عليه منها شيء ولا تخفى منها خافية، فإذا سمعوا دليلًا في كتاب الله أو سنّة رسوله قالوا: لو كان هذا راجحًا على ما ذهب إليه إمامنا لذهب إليه ولم يتركه، لكنه تركه لما هو أرجح منه عنده، فلا يرفعون لذلك رأسًا، ولا يرون بمخالفته بأسًا (١).

وهذا صنيع قد اشتهر عنهم وكاد أن يعمهم قرنًا بعد قرن وعصرًا بعد عصر على اختلاف المذاهب وتباين النحل، فإذا قال لهم القائل اعملوا بهذه الآية القرآنية أو بهذا الحديث الصحيح. قالوا لست أعلم من إمامنا حتى نتبعك، ولو كان هذا كما تقول لم يخالفه من قلّدناه فهو لم يخالفه إلّا إلى ما هو أرجح منه (٢).

وقد ينضم إلى هذا من بعض أهل الجهل والسفه والوقاحة وصف ذلك الدليل الذي جاء به المخاطب لهم بالبطلان والكذب إن كان من السنّة ولو تمكنوا من تكذيب ما في الكتاب العزيز إذا خالف ما قد قلّدوا فيه لفعلوا.


(١) راجع ص ١٣٤ - ١٣٥، ١٦٥ - ١٦٨ من هذا الكتاب.
(٢) انظر على سبيل المثال: ابن عابدين/ العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، القاهرة: (١٣٠٠ هـ) ٢/ ٣٣٣.

<<  <   >  >>