نال حظًا، فإن بقي في من كان من هذه الطبقة نصيب من علو الهمة وحظ من شرف النفس وقسط من الرغبة في نيل ما هو أعلى مناقب الدنيا والآخرة، فقد تميل نفسه إلى العلم بعض الميل، فيأخذ من علوم الاجتهاد بنصيب ويفهم بعض الفهم، فيعرف أنه كان معلّلًا لنفسه بما لا يسمن ولا يغني من جوع، ومشتغلًا بما لا يرتقي به إلى شيء من درجات العلم، فهذا الدواء لأهل هذه الطبقة من أنفع الأدوية وهو لا يؤثر بعض التأثير إلّا مع كون ذلك المخاطب له بعض استعداد للفهم، وعنده إدراك وهو القليل، أما من كان لا يفهم شيئًا فيه من علوم الاجتهاد وإن أجهد نفسه وأطال عناها وأعظم كدّها كما هو الغالب على أهل هذه الطبقة، فإنهم إذا استفرغوا وسعهم في علم الرأي وأنفقوا في الاشتغال به شطرًا من أعمارهم وسكنت أنفسهم إلى التقليد سكونًا تامًّا وقبلته قبولًا كليًّا لم تبق فيهم بقية لفهم شيء من العلوم، وقد شاهدنا من هذا الجنس من لا يأتي عليه الحصر، قد تقتضيه في بعض الأحوال رغبة تجذبه إلى النظر في علم النحو فلا يفهمه قط، فضلًا عن سائر علوم الاجتهاد التي يفتتحها الطلبة بهذا العلم فمن كان على هذه الصفة وبهذه المنزلة، لا يأتي إرشاده إلى تعلّم علوم الاجتهاد بفائدة، وأحسن ما يستعمله معه من يريد تقليل تعصبه ودفع بعض ما قد تغيّرت به فطرته: هو أن ينظر العالم من عمل بذلك الدليل الذي هو الحق من قدماء المقلدين فيذكرهم أنه قد خالف إمامهم في تلك المسألة فلان وفلان ممن هو في طبقته أو أعلا طبقة منه، وليس هو بالحق أولى من المخالفين له، فإن قبل ذهنهم هذا فقد انفتح باب العلاج للطبيب لأنه ينتقل معهم من ذلك إلى ما استدلّ به إمامهم وما استدلّ به من خالفه وينتقل منه إلى وجوه الترجيح مبتدئًا بما هو أقرب إلى قبول فهم ذلك العليل، ثم ينقله من مرتبة إلى مرتبة، حتى يستعمل من الدواء ما يقلّل تلك العلة فإنه إذا أدرك العليل ذهاب شيء منها حصل له بعض نشاط يحمله على قبول ما يذهب بالبقية، ولكن ما أقل من يقبل شيئًا