للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باستفادة ذلك، وبمقدار ولوعهم بما هم فيه وشغفهم به تكون عداوتهم للحق ولعلم الأدلة وللقائمين بالحجة.

ولقد شاهدنا من هذه الطبقة ما لو سردنا بعضه لاستعظمه سامعه واستفظعه فإن غالبهم لا يتصوّر بعد تمرّنه فيما هو فيه إلّا منصبًا يثب عليه، أو يتيمًا يشاركه في ماله، أو أرملة يخادعها عن ملكها أو فرصةً ينتهزها عند ملك أو قاض، فيبلغ بها إلى شيء من حطام الدنيا، ولا يبقى في طبائع هؤلاء شيء من نور العلم وهدى أهله وأخلاقهم، بل هم أشبه شيء بالجبابرة وأهل المباشرة للمظالم، ومع هذا فهم أشد خلق الله تعصبًا وتعنتًا وبُعدًا من الحق، ورجوعهم إلى الحق من أبعد الأمور وأصعبها، لأنه لم يبق في أفهامهم فضلة لتعقّل ذلك وتدبّره، بل قد صار بعضها مستغرقًا بالرأي، وبعضها مستغرقًا بالدنيا. فإن قلت: فهل بقي مطمع في أهل هذه الطبقة وكيف الوصول إلى إرشادهم إلى الإنصاف وإخراجهم عن التعصب؟

قُلتُ: لا مطمع إلّا بتوفيق الله وهدايته فإنه إذا أراد أمرًا يسّر أسبابه وسهّلَ طرائقه، وأحسن ما يستعمله العالم مع هؤلاء ترغيبهم في العلم وتعظيم أمره والإكثار من مدح علوم الاجتهاد وأن بها يعرف أهل العلم الحق من الباطل ويميّزون الصواب من الخطأ وأن مجرّد التقليد ليس من العلم الذي ينبغي عد صاحبه من جملة أهل العلم (١)، لأن كل مقلد يقر على نفسه بأنه لا يعقل حجج الله ولا يفهم ما شرعه لعباده في كتابه وعلى لسان رسوله (٢)، وأن من ظفر من طلبه وفاز من كده ونصبه لمجرّد اتباع فرد من أفراد علماء هذه الأمة وتقليده وقبول قوله دون حجته فلم يظفر بطائل، ولا


(١) يرى أبو حامد الغزالي، أن المقلد الذي يقبل آراء الغير دون مناقشة إنما هو وعاء للعلم ولا يكون عالمًا، إحياء علوم الدين.
(٢) قارن بابن الجوزي، تلبيس إبليس ص ٨١.

<<  <   >  >>