للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزوال ما يترتب عليه من الثواب، كذلك يترتب عليه من الفتن المفضية إلى سفك الدماء وهتك الحرم وتمزيق الأعراض واستحلال ما هو في عصمة الشرع ما لا يخفى على عاقل وقد لا يخلو عصر من العصور ولا قطر من الأقطار من وقوع ذلك لا سيما إذا اجتمع في المدينة والقرية مذهبان أو أكثر وقد يقع من ذلك ما يفضي إلى إحراق الديار وقتل النساء والصبيان كمثل ما كان يقع بين السنيّة والشيعة ببغداد، فإنهم كانوا يفعلون في كل عام فتنًا ويهرقون الدماء ويستحلون من بعضهم البعض ما لا يستحلونه من أهل الذمة بل قد لا يستحلونه من الكفار الذين لا ذمة لهم ولا عهد، وهذا يعرفه كل من له خبرة بأحوال الناس، ومن أراد الاطلاع في تفاصيل ما كان يقع بينهم في بغداد بخصوصها فلينظر في مثل تواريخ الذهبي وتاريخ ابن كثير ونحو ذلك فإنه سيجد في حوادث كل سنة شيئًا من ذلك في الغالب (١)، وقد تنتهي بهم التعصبات والمناقضات إلى ما هو من أنواع الجنون والحماقات القبيحة كما وقع في كتب التواريخ أن أهل السنّة ببغداد، أركبوا امرأة على جمل وأركبوا رجلين آخرين وسمّوا المرأة عائشة والرجلين طلحة والزبير ومشوا معهم وتحزبوا وتجمعوا، فسمع بذلك الشيعة من أهل الكرخ فأقبلوا مسرعين بالسلاح والكراع وقاتلوا أهل السنة قتالًا شديدًا وضربوا المرأة المسماة عائشة والمسمى طلحة والزبير ضربًا مبرحًا (٢).


(١) كانت الحرب بين الشيعة وأهل السنة ببغداد شبه موسمية وخاصة في المناسبات الشيعية (الغدير وعاشوراء)، والملاحظ أنّ الدوافع السياسية كانت هي المحرك الرئيسي لهذا الصراع الدامي بين الفريقين، فقد عمد البويهيون - بعد سيطرتهم على بغداد سنة ٣٣٤ هـ - إلى دعم ومساندة الشيعة، بغية إضعاف شأن الخلافة العباسية، وبالمثل كانت الخلافة العباسية، وأيضًا الدولة العزنوية والسلجوقية فيما بعد تتدخل لدعم أهل السنة - إلخ.
(٢) انظر: ابن الأثير/ الكامل ٧/ ٥١، ابن كثير / البداية والنهاية ١١/ ٢٧٥.

<<  <   >  >>