ومن غرائب مناقضاتهم أن الشيعة لما اجتمعوا لزيارة الحسين بن عليّ ﵁ في عاشوراء اجتمعت السنّية وخرجوا يزورون مصعب بن الزبير وجعلوا ذلك عادة لهم في عاشوراء (١)، فانظر ما في هذه المناقضة من الجهل فإن مصعبًا ليس بمستحق لذلك لأنه لم يكن معروفًا بعلم ولا فضل بل أمير كبير ولي العراق من أخيه عبد الله بن الزبير وسفك من الدماء ما لا يأتي عليه الحصر وبقي كذلك حتى وقع الحرب بينه وبين عبد الملك بن مروان فخذله أهل العراق فَقُتل، فانظر أي فضيلة لمصعب يستحق بها أن يكون للسنيّة كالحسين للشيعة.
وبالجملة فقد حدثت بسبب الاختلاف بين الطائفتين فواقر عظيمة لو لم يكن منها إلّا دخول التتر بغداد وقتلهم الخليفة والمسلمين، فإن سبب
(١) اقتضت طبيعة الصراع والمماحكات بين الأحزاب/، المذاهب الإسلامية، أنه إذا اتخذ أي منهما لنفسه فكرة أو موقفًا متميزًا أن يجعل الآخر لنفسه موقفًا مماثلًا أو مضادًا لموقف أو فكرة الطرف الأول، فقد اتخذ (بعض) أهل السنة لأنفسهم شخصية مماثلة لشخصية المهدي عند الشيعة، وهي شخصية السفياني (من ولد أبي سفيان بن حرب)، وكذلك بعد ما فرضت الدولتان الشيعيتان، البويهية في بغداد، والفاطمية في مصر وشمال إفريقيا على الناس الاحتفال بالمناسبات الشيعية، وألزمتهم إظهار الفرح والزينات في يوم الغدير، وبإغلاق الدكاكين وإظهار مشاعر الحزن وإقامة المآتم في عاشوراء. احتفل بالمناسبتين في بغداد لأول مرة عام ٣٥٢ هـ، وفي القاهرة احتفل الفاطميون بالغدير سنة ٣٦٢ هـ وعاشوراء سنة ٣٦٣ هـ، (مسكويه: تجارب الأمم ٢/ ٢٠٠ - ٢٠١، ابن الأثير ٧/ ٧، ابن كثير ١١/ ٢٤٣، السيوطي/ تاريخ الخلفاء ص ٤٠١) فاتخذ أهل السنة لأنفسهم أيامًا ومناسبات مماثلة يحتفلون فيها كما يحتفل الشيعة، فمقابل يوم الغدير جعلوا لأنفسهم يومًا بعده بثمانية أيام، احتفلوا فيه بذكرى دخول النبي ﷺ وأبو بكر الغار، ومقابل يوم عاشوراء أيضًا احتفلوا بعده بثمانية أيام بمناسبة ذكرى مقتل مصعب بن الزبير، احتفل أهل السنة بهما لأول مرة في القاهرة سنة ٣٦٣ هـ، وفي بغداد سنة ٣٨٩ هـ (المقريزي/ اتعاظ الحنفاء ص ١٩٥ - ١٩٨ ابن الأثير ٧/ ٢٠٠؛ ابن كثير ١١/ ٣٢٥ - ٣٢٦؛ ذيل تجارب الأمم ٤/ ٣٣٩.