للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك الوزير الرافضي ابن العلقمي (١) كان بينه وبين الأمير مجاهد الدين الدويدار من العداوة أمر عظيم وكان مجاهد الدين يتعصب على الشيعة تعصبًا شديدًا حتى أفضى ذلك إلى نهب أهل الكرخ وإحراق بعض مساكنهم فغضب الوزير غضبًا شديدًا، ولم يستطع المكافأة إذ ذاك، فحمله ذلك على مكاتبة التتر وترغيبهم في بغداد وتسهيل الأمر عليهم، فأقبل (هولاكو) ملك التتر ومعه جيش من التتر عظيم فوصلوا بغداد وأحاطوا بها من جميع جوانبها وما زال الوزير يخدع الخليفة ويفرّق جيوشه ويحول بينه وبين الحزم حتى أعيت الحيلة وتمكن العدو، فخرج عند ذلك الوزير إلى التتر وقد تقدم بينهم من المكاتبة ما فيه حرمة وذمة وتكفَّل لهم بإيقاع الخليفة وأعيان المحل في أيديهم يقتلونهم كيف شاؤوا ثم دخولهم بغداد بعد ذلك، ثم رجع إلى الخليفة وأخبره أن سلطان التتر لا يريد استئصاله ولا نزع يده من الخلافة وليس له رغبة إلى ذلك بل مراده أن يكون متصرفًا عن أمر الخليفة كما كان يتصرف عن أمرهم الملوك الحمدانية والبويهية والسلجوقية، وإنه يريد أن يزوج ابن الخليفة بابنته وما زال يخدع الخليفة ويفتل منه في الذروة والغارب حتى أسعده ومال إلى مقاله، وقال له يخرج هو وأعيان البلد لعقد النكاح فخرج الخليفة وإخوته وأولاده وأعمامه وأمراؤه وأعيان بغداد من كل طبقة من الطبقات التي تتصل بالخليفة، وكان الذي عين الخارجين وسمّاهم هو الوزير المذكور، فلم يدع أحدًا من أركان الدولة يخشى منه ولا سيما من كان متعصبًا على الشيعة كالأمير مجاهد الدين الدويدار، فإنه جعلهم في أول الخارجين لشهود العقد، وقد كان أبرم هو وسلطان التتر أنه سيجعله وزيرًا كما كان مع الخليفة العباسي، فلما خرج أولئك الأعيان والخليفة قتلهم التتر جميعًا ثم دخلوا بغداد فقتلوا من بها من الطائفتين لم يبقوا على شيعي ولا


(١) هو مؤيد الدين محمد بن أحمد العلقمي (ت ٦٥٦ هـ) وزير المستعصم بالله.

<<  <   >  >>