للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غيرهم، فإن هذا تسكين للفتنة لا إثارة لها، ولقد حمدوا هذه المشورة بعد حين وعرفوا أنها صواب وأن بها كان سكون تلك الفتنة التي غلت مراجلها وكادت تعم جميع أهل صنعاء ثم تسري بعد ذلك إلى سائر الديار اليمنية.

وأما العامة: فلا يتسع المقام لسرد ما شوهد منهم من الصولة والجولة والاشتغال بهذا الأمر ولقد كنت أرى كثيرًا من المنسوبين إلى العلم يبكون رحمة لإخوانهم المثيرين للفتنة لما حلّ بهم من العقوبة، ولقد تغيرت بهجة هذه المدينة "العظيمة" وتكدرت مشاربها العلمية وذهب رونق معارفها بما يصنعه جماعة المقصرين المغيّرين لفطرتهم السليمة بما حدث من علوم الروافض ودسائسهم، التي هي أنسر على المقصرين من السم القتال وأدوى على من لم تستحكم معرفته وترسخ في العلوم قدمه من الداء العضال، على كثرة من فيها من العلماء المنصفين والطلبة المتميزين والأذكياء الماهرين، فإنه قلّ أن يوجد بمدينة من المدائن ما يوجد الآن في صنعاء من رجوع أهل العلم بها إلى ما صح عن الشارع وعدم تعويلهم على الرأي وطرحهم للمذاهب عند قيام الدليل الناهض، فإن هذه مزيّة وفضيلة لا تكاد تعرف في سائر الأقطار إلا في الفرد الشاذ البالغ من العلم إلى منزلة عليّة مع مراجعته لفطرته وتفكره في طروء ما طرأ عليها من المغيرات وتدبره لما قدمنا ذكره من الأسباب الموجبة للتعصب الحائلة بين المتمذهبين وبين الإنصاف، وهذا النادر الشاذ يبالغ في الكتم ويستكثر من المجانبة لما يظنه الحق مخافة من وثوب المقلدة عليه وهتكهم له، لأنهم لا يقنعون من العالم وإن كان في أعلى درجات الاجتهاد إلا بأن يكون مثلهم مقلدًا بحتًا مقتديًا بالعالم الذي يقلدونه هم وأسلافهم، وإن كان هذا العالم الذي يريدون منه ذلك أعلا رتبة وأجلّ قدرًا وأكثر علمًا من عالمهم الذي يقلدونه كما يجده من له اطلاع على كثير من أحوال الناس، فإن في علماء المذاهب الأربعة من هو أوسع علمًا وأعلا قدرًا من إمامه الذي ينتمي إليه ويقف عند رأيه ويقتدي بما قاله في

<<  <   >  >>