للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبادته ومعاملته وفي فتاويه وقضائه، ويسري ذلك إلى مصنفاته فيرجح فيها ما يرجحه إمامه وإن كان دليله ضعيفًا أو موضوعًا أو لا دليل بيده أصلًا، بل مجرّد محض الرأي، ويدفع من الأدلة المخالفة له ما هو أوضح من شمس النهار تارة بالتأويل المتعسف وحينًا بالزور الملفف، مع كونه بمكان من العلم لا يخفى عنده الصواب، ولا يلتبس معه الحق، ولكنه يفعل ذلك مخافة على نفسه من تلك الطبقة المشؤومة، أو تأثيرًا لما قد ظفر به من الدنيا والجاه الذي لا يستمر له إلّا بالموافقة لهم والسلوك فيما يرضيهم، وقد يحمله على ذلك الحرص على نفاق مصنفه بينهم واشتهاره عندهم وتداولهم له. وما كان أغناه عن هذه البليّة التي وقع/ فيها والجناية التي جناها على نفسه في العاجلة والآجلة، أما في الآجلة فظاهر، فإن اشتغاله بذلك التصنيف المشتمل على تأثير رأي فرد من أفراد أهل العلم على ما شرعه الله في محكم كتابه وعلى لسان رسوله، من أعظم الذنوب التي تلقاه بين يدي الله فإنه ضالّ مضل مفتون فاتن محارب للشريعة المطهرة معاند لها، فعليه إثم بما سنّه من هذه السنّة السيئة وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة، وأما في العاجلة فإن مثل هؤلاء الصمّ البكم من المقلدة لا يفرح العاقل بانتشار مصنّفاته عندهم وشيوعها بينهم، لأنهم لا يفهمون العلم ولا يعرفون أهله ولا فرق بينهم وبين العامة البحث إلّا مجرد الدعوى والتلبس بلباس أهل العلم والقعود في مقاعد أهله، فكما أن العاقل لا يفرح بإقرار جماعة له من البدوِ والحرّاث أو السوقة من أهل الحياكة والحجامة وسقّاط أهل المهن الدنيئة والمعائش (١) الوضيعة، كذلك لا ينبغي له أن يفرح بمثل ذلك المقلّدة، فإنهم كما قال القائل (٢):


(١) في (ب) المعاشر.
(٢) ينسب هذا البيت لأبي الأسود الدؤلي العقد الفريد ٦/ ٢٥٧ ولم نجده في ديوانه المطبوع.

<<  <   >  >>