يقتضيه الدليل ويوجبه الإنصاف، وهو وإن أبى ذلك في الابتداء فلا بد أن يؤثر ذلك البيان في طبعه قبولًا وفي فطرته انقيادًا، ويحرص على أن تكون أوقاته مشغولة بتدريس الطلبة في كتب التفسير والحديث وشروحه، وفي كتب الفقه التي يتعرض مؤلفوها لذكر الأدلة والترجيح، فإنه في تدريس هذه المؤلفات يتيسر له من الإرشاد والهداية وتأسيس الحق وتقريب الإنصاف ما لا يتيسر له في غيرها، وإن كان كلامه مع من هو دون هذه الطبقة. فأنفع ما يلقيه إليه، هو ترغيبه في علوم الاجتهاد، وتعريفه أن المقصود بهذه العلوم هو الوصول إلى ما وصل إليه علماء الإسلام، فإذا جدَّ في ذلك فقد انفتحت معه أبواب الهداية، ولاحت عليه أنوار التوفيق، ثم إذا تأهَّل واستعد لفهم الحجة، سلك معه المسلك الأول. ومن كان لا يهتدي إلى طلب تلك العلوم بوجه من الوجوه، فأقرب ما يسلكه العالم معه، هو أن ينظر إلى من قال من أهل العلم الذين يعتقدهم ذلك المقصر، بما قامت عليه الأدلة وأوجب سلوكه الإنصاف فيقول له: أن قول العالم الفلاني قول راجح لقيام الأدلة عليه. ثم يصنع معه هذا الصنع في المسائل التي يعتقدها تقليدًا ويجمد عليها قصورًا فإن انتفع بذلك فهو المطلوب. وإن لم ينتفع فأقل الأحوال السلامة من معرّته والخلوص من شرّه.
وأما العامة الذين لم يتعلقوا بشيء من علم الرأي: فهم أسرع الناس انقيادًا وأقربهم إلى القبول إن سلموا من بلايا ما يلقيه إليهم المتعصبون.
وبالجملة: فالعالم المتصدي للإرشاد المتصدي للهداية لا يخفى عليه ما يصلح من الكلام مع من يتكلم معه. فهذا هو الذي أردته من نشر حجج الله وإرشاد العباد إليها وقد قدمته بأبسط من هذا وإنما كررته هنا لقصد دفع ما سبق من السؤال.