للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معرفة الحق بنص الدليل، فعليه أن يعتمد معهم تسهيل ما تعاظموه من الوقوف على الحق، قائلًا: إن الله تعبّد جميع هذه الأمة بما في الكتاب والسنة، ولم يخص بفهم ذلك من كان من السلف دون من تبعهم من الخلف ولا قصر فضله بما شرعه لجميع عباده على أهل عصر دون عصر أو أهل قطر دون قطر أو أهل بطن دون بطن. فالفهم الذي خلقه للسلف خلق مثله للخلف والعقل الذي ركَّبه في الأموات، ركَّب مثله في الأحياء. والكتاب والسنّة موجودان في الأزمنة المتأخرة كما كانا في الأزمنة المتقدمة والتعبّد بهما لمن لحق كالتعبّد لمن مضى. وعلم لغة العرب موجود في الدفاتر عند المتأخرين، على وجه لا يشذ منه شيء بعد أن كان المتقدمون يأخذونه عن الرواة حرفًا حرفًا، ويستفيدون من أربابه كلمة كلمة. وكذلك تفسير الكتاب العزيز موجود في التفاسير التي دوّنها السلف للخلف بعد أن كان الواحد منهم يرحل في تفسير آية من كتاب الله إلى الأقطار الشاسعة. وكذلك الأحاديث المروية عن رسول الله موجودة في الدفاتر التي جمعها الأول للآخر، بعد أن كان الواحد منهم يرحل في طلب الحديث الواحد إلى البلاد البعيدة. وهكذا جميع العلوم التي يستعان بها على فهم الكتاب والسنّة فالوقوف على الحق والاطلاع على ما شرعه الله لعباده قد سهّله الله على المتأخرين ويسره على وجه لا يحتاجون فيه من العناية والتعب/ إلا بعض ما كان يحتاجه من قبلهم (١). وقد قدمنا الإشارة إلى هذا المعنى (٢). ثم إن هذا العالم يوضح لمن يأخذ عنه العلم في كل بحث ما


(١) ركَّز المؤلف جهوده من خلال التدريس أو التأليف على محاربة التقليد والدعوة للاجتهاد، وقد حاول في معظم كتاباته، دحض حجج ومبررات أنصار التقليد، التي يؤكدون بها على تعذر الاجتهاد، بعد القرن الرابع الهجري، مؤكدًا على أن الاجتهاد في القرون المتأخرة أصبح أكثر يسرًا وسهولة مما كان عليه سابقًا، انظر: إرشاد الفحول ص ٢٥٤ - ٢٥٥ قطر الولي ص ٣٣٦ وما بعدها، القول المفيد ص ٢٨ - ٢٩؛ البدر الطالع ٢/ ٨٥ - ٩٠.
(٢) راجع ما سبق ص ٨٤ وما بعدها.

<<  <   >  >>