للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعل هكذا عرف الاعتقادات كما ينبغي وأنصف كل فرقة بالترجيح، أو التجريح على بصيرة، وقابل كل قول بالقبول أو الرد على حقيقة. ومن أحسن مؤلفات المعتزلة المجتبى، ومن أحسن مؤلفات متأخري الأشعرية المواقف العضدية وشرحها للشريف والمقاصد السعدية وشرحها له، وإياك أن يثنيك عن الاشتغال بهذا الفن ما تسمعه من كلمات بعض أهل العلم في التنفير عنه والتزهيد فيه والتقليل لفائدته (١)، فانك إن عملت على ذلك وقبلت ما يقال في الفن قبل معرفته كنت مقلدًا فيما لا تدري ما هو. وذلك لا يليق بما تطلبه من المرتبة العلية، والكون في الطبقة الأولية، بل أعرفه حق معرفته، وأنت بعد ذلك مفوض فيما تقوله من مدح أو قدح، فإنه لا يقال لك حينئذ أنت تمدح ما لا تعرفه، أو تقدح فيما لا تدري ما هو، على أنه يتعلق بذلك فائدة وزيادة بصيرة في علوم أخرى، كعلم التفسير، وعلم تفسير الحديث، فإنك إن بلغت إلى ذلك علمت ما في العلم بهذا الفن من الفائدة لا سيما عند قراءة (كشاف) الزمخشري ومن سلك مسلكه، فإن في مباحثهم


(١) ذهب الإمام الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان الثوري ومعهم أهل الحديث إلى رفض علم الكلام والتشنيع على المتكلمين والمشتغلين بعلم الكلام، واعتبروا الاشتغال به من أعظم الذنوب، ووضعوه في المرتبة الثانية بعد الشرك بالله، فقد نُسب إلى الإمام الشافعي وصفه للمشتغل بعلم الكلام بأنه "لا دين له" وحكم عليهم بأن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في القبائل والعشائر .. ، وقال مالك: "لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء .. أراد بأهل الأهواء أهل الكلام على أي مذهب كانوا" وقال أحمد بن حنبل: علماء الكلام زنادقة، وقال أبو يوسف: لا تجوز الصلاة خلف المتكلم، وإن تكلم بحق لأنه بدعة" الملا علي القاري شرح الفقه الأكبر، القاهرة: الحلبي (د. ت) ص ٢ - ٧؛ حاشية الإسفرايني على العقائد النسفية، القاهرة الحلبي (د. ت) ص ١٤، وقد صنف في التشنيع على علم الكلام والمتكلمين عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي (ت ٤٨١ هـ) كتابًا بعنوان "ذم الكلام وأهله".

<<  <   >  >>