وكما فعله كثير من المؤرخين على اختلاف مسالكهم في تخصيص التصنيف بدولة من الدول أو طائفة من طوائف أهل العلم والأدب، أو فرقة من فرق أهل الرئاسات أو غير ذلك فإن للاطلاع على ذلك فائدة جليلة لا يعرفها إلا من عرف أحوال العالم واتقن أهل كل عصر منهم وعلم بأوقات موالدهم ووفياتهم.
فإذا أحاط الطالب بما ذكرناه من العلوم فقد صار حينئذ في الطبقة العالية من طبقات المجتهدين، وكملت له جميع أنواع علوم الدين، وصار قادرًا على استخراج الأحكام من الأدلة متى شاء وكيف شاء.
ولكنه ينبغي له أن يطّلع على علوم أخرى ليكمل له ما قد حازه من الشرف، ويتم له ما قد ظفر به من بلوغ الغاية.
فمن ذلك علم الفقه وأقل الأحوال أن يعرف مختصرًا في فقه كل مذهب من المذاهب المشهورة، فإن معرفة ما يذهب إليه أهل المذاهب الإسلامية قد يحتاجه المجهتد لافادة المتمذهبين السائلين عن مذاهب أئمتهم. وقد يحتاجه لدفع تشنيع من يشنع عليه في اجتهاده، كما يقع ذلك كثيرًا من أهل التعصب والتقصير، فإنه إذا قال له قد قال بهذه المقالة العالم الفلاني أو عمل عليها أهل المذهب الفلاني كان ذلك دافعًا لصولته، كاسرًا لسورته، وقد وقعنا في كثير من هذه الأمور مع المقصرين وتخلصنا من
شغبهم بحكاية ما انكروه علينا عن بعض من يعتقدونه من الأموات، وما انفع الاطلاع على المؤلفات البسيطة في حكاية مذاهب السلف وأهل المذاهب وحكاية أدلتهم وما دار بين المتناظرين منهم، إما تحقيقًا أو فرضًا، كمؤلفات ابن المنذر (١)
(١) هو الفقيه محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري له المبسوط في الفقه وغيره توفي سنة ٣١٩.