للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

احتاج إلى الإنشاء أو جاوب صديقًا أو كاتب حبيبًا، لأنه ينبغي أن يكون كلامه على قدر علمه، وهو إذا لم يمارس جيد النظم والنثر كان كلامه ساقطًا عن درجة الاعتبار عند أهل البلاغة، والعلم شجرة ثمرتها الألفاظ. وما أقبح بالعالم المتبحر في كل فن أن يتلاعب به في النظم والنثر من لا يجاريه في علم من علومه، ويتضاحك منه من له أدنى المام بمستحسن الكلام ورائق النظام، ويستعين على بلوغ ما يليق به ويطابق رتبته بمثل علم العروض والقوافي، وأنفع ما في ذلك منظومة الجزاز (١) وشروحها. وبمثل المؤلفات المدونة لذلك، وانفع ما ينتفع به (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر) لابن الأثير (٢). ثم لا بأس على من رسخ قدمه في العلوم الشرعية أن يأخذ بطرفِ من فنون هي من أعظم ما يصقل الأفكار ويصفي القرائح ويزيد القلب سرورًا والنفس انشراحًا، كالعلم الرياضي والطبيعي والهندسة والهيئة والطب. وبالجملة فالعلم لكل فن خير من الجهل به بكثير، ولا سيما من رشح نفسه للطبقة العلية والمنزلة الرفيعة. ودع عنك ما تسمعه من التشنيعات، فإنها كما قدمنا لك شعبة من التقليد وأنت بعد العلم بأي علم من العلوم حاكم عليه بما قد لديك من العلم غير محكوم عليك واختر لنفسك ما يحلو، وليس يُخشى على من قد ثبت قدمه في علم الشرع من شيء، وإنما يخشى على من كان غير ثابت القدم في علوم الكتاب والسنّة، فإنه ربما يتزلزل وتخور قوته (٣) فإذا قَدَّمت العلم بما قدمنا لك من العلوم الشرعية فاشتغل بما شئت، واستكثر من الفنون ما أردت، وتبحر في الدقائق


(١) هو أحمد بن محمد الجزاز المسيكي الزبيدي المتوفى سنة ٩٤٣ (انظر ترجمته في كتابنا مصادر الفكر الإسلامي ص ٣٨٢) (الحبشي).
(٢) هو نصر الله بن محمد بن الأثير المتوفى سنة ٦٣٧. (الحبشي).
(٣) في (ب) وتحول ثقته.

<<  <   >  >>