للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدري ما هو ويسخرون منه فيكون في ذلك من المهانة على علماء الشريعة ما لا يقادر قدره، وأما إذا كان العالم المتشرع المتصدر للهداية إلى المسالك الشرعية والمناهج الإنصافية عالمًا بذلك فإنه يجري معهم في فنهم فيكبر في عيونهم، ثم يعطف عليهم فيبيّن لهم بُطلان ما يعتقدونه بمسلك من المسالك التي يعرفونها، فإن ذلك لا يصعب على مثله. ثم بعد ذلك يوضح لهم أدلة الشرع فيقلبون منه أحسن قبول، ويقتدون به أتم قدوة. وأما العالم الذي لا يعرف ما يقولون فغاية ما يجري بينه وبينهم خصام وسباب ومشاتمة، هو يرميهم بالاشتغال بالعلوم الكفرية ولا يدري ما هي تلك العلوم، وهم يرمونه بالبلادة وعدم الفهم والجهل بعلم العقل ولا يدرون ما لديه من علم الشرع.

ولقد أهدت لنا هذه الأيام ما لم يكن لنا في حساب من زعانف هم سقط المتاع وفقعة القاع وأبناء الرعاع، لا بَسوا طلبة العلم بعض الملابسة وشاركوهم بجامع الخلطة والعشرة في مثل النظر في مختصرات النحو حتى صاروا ممن يتمكن من إعراب أواخر الكلم، ثم طاحت بهم الطوايح ورمت بهم الروامي إلى مطالعة تجريد الطوسي (١) وبعض شروحه وفهموا بعض مباحثه، فظنوا أنهم قد ظفروا بما لم يظفر به أرسطاطاليس ولا جالينوس، دع عنك مثل الكندي والفارابي وابن سينا فانهم عندهم في عداد المقصرين، وأما مثل الرازي (٢) وطبقته فليسوا من أهل العلم في ورد ولا صدر، وأما سائر العلماء المتحبرين في علم الشرع وغيره من أهل العصر وغيرهم فهم عند هؤلاء النوكاء (٣) الرُّقعاء لا يفهمون شيئًا ولا يعقلون. فقبّح الله تلك


(١) مختصر في علم الكلام تأليف نصير الدين محمد بن محمد الطوسي المتوفى سنة ٦٧٢. (الحبشي).
(٢) هو أبو بكر محمد بن زكريا المتوفى سنة ٣١١. (الحبشي).
(٣) الحمقاء.

<<  <   >  >>