الوجوه فإنها صارت عارًا وشنارًا على أهل العلم، وصار دخول مثل هؤلاء الذين دنسوا عرض العلم وجهموا وجهه وأهانوا شرفه، من أعظم المصائب التي أصابت أهله وأكبر المحن التي امتُحن بها حملته، فإنه يسمعهم السامع يثلبون أعراض الأحياء والأموات من المشهورين بالعلم الذين قد اشتهرت مصنفاتهم وانتشرت معارفهم فيزهد في العلم ويخاف من أن يعرّض نفسه للوقيعة من مثل هؤلاء الجهلة، على أنهم لا يعرفون شيئًا إلا ما ذكرت لك، ولا يفهمون علمًا من العلوم لا بالكنة ولا بالوجه فما أحق هؤلاء بالمنع لهم عن مجالس العلم والأخذ على أيديهم من الدخول في مداخل أهله والتشبه بهم في شيء من الأمور، والزامهم بملازمة حرف آبائهم وصناعات أهلهم والوقوف في الأسواق لمباشرة الأعمال التي يباشرها سلفهم، فليس في مفارقتهم لها إلا ما جلبوه من الشر على العلم وأهله، ولكنهم قد تحذلقوا وجعلوا لأنفسهم حصنًا حصينًا وسورًا منيعًا، فتظهَّروا بشيء من الرفض وتلبَّسوا بثيابه فإذا أراد من له غيرة على العلم المعاقبة لهم وإعزاز دين الإسلام بإهانتهم، قالوا للعامة إنهم أصيبوا بسبب التشيع، وأهينوا بما اختاروه لأنفسهم من محبة أهل البيت ﵃، وقد علم الله وعَلِم كل من له فهم أنهم ليسوا من ذلك في قبيل ولا دبير، بل ليس عندهم إلا التهاون بالشريعة الإسلامية والتلاعب بالدين والطعن علي الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه فضلًا عن غيرهم من المتمسكين بالشرع. وكل عارف إذا سمع كلامهم وتدبر أبحاثهم يتضوع له منها روائح الزندقة بل قد يقف على ما هو صريح الكفر الذي لا يبقى معه ريب.
ولقد كان القضاة من أهل المذاهب في البلاد الشامية والمصرية والرومية (١) والمغربية وغيرها يحكمون بإراقة دم من ظهر منه دون ما يظهر