للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرفض يفهمه المقصر والكامل. فإذا نظره المقصرون في كلامهم لم يفهموا منه إلا ما فيه من الرفض. ولا يفهمون شيئًا مما عداه. وإذا أخبرهم العالم بما اشتمل عليه ذلك الكلام من الكفر والزندقة لم تقبله أفهامهم لأمرين: أحدهما الجهل بالعلوم التي يتوصلون بها إلى فهم ذلك، والثاني: اعتقادهم أن ذلك المتكلم شيعي وأن هذا العالم الذي أنكره إنما قام عليه لأجل تشيعه، لكونهم يعتقدون في كل من اشتغل بعلوم الاجتهاد أنه يخالف الشيعة، طبيعة راسخة فيهم، وأمر ورثوه عن أسلافهم، وداء قبلوه من كل مخذول، ومحنة تعاظم بسببها البلاء على الشريعة وعلى أهلها.

فبهذه الأسباب علمت أن قيامي عليهم لا يجدي إلا ثوران فتنة وظهور محنة، وقد يكون سببًا لتظهرهم بزيادة على ما يتظهرون به من تلك الأمور الفظيعة، والكفريات الشنيعة. اللهم إني أُشهدك وأنت خير الشاهدين: أني أول حاكم بسفك دم من صدر منه ذلك، وأول مفتٍ بقتل من فعل شيئًا منه أو قال به، عند أول بارقة من بوارق العدل، وفي إخفاء (١) رائحة من روائح الإنصاف، ولست أقول أن جميع من أشرت إليهم هم على الصفة التي ذكرتها الموجبة لإراقة الدم وإزهاق الروح، بل يتظهر بذلك بعض مخذوليهم، ويشتغل به أناس من شياطينهم، والبقية وإن كانوا بما يصدر منهم نقمة على العلم وأهله، فإنهم ينفرّون الناس عن علم الشرع، ويهونونه في صدورهم، ويستصغرون علوم الدين بأسرها، ويجذبون من يطمعون فيه إلى جهالاتهم وضلالاتهم، فهم مُستحقون للحيلولة بينهم وبين كل سبب يتوصلون به إلى العلم على كل تقدير كما أشرنا إليه سابقًا، مع إنزال بعض ما فيه إهانة لهم بهم ومسهم بسوط إذلال، ليكون في ذلك إعزاز للدين ورفع


(١) إخفاء: مصدر خفي، وهي من الأضداد، فهي تعني: كتمه، وكذلك أظهره، والمؤلف يقصد المعنى الثاني، أي الظهور، والوضوح وجاء في معنى هذا قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ [طه: ١٥] أي أظهرها.

<<  <   >  >>