من أهل العلم ولا بينه وبينهم علاقة ولا فرق بينهم وبين من يطلب الأعمال الدولية التي لا تعلق بها بالعلم.
ومن هذه الحيثية تنازل منصب العلم وتهاون الناس به، لأنهم يرون رجلًا قد لبس لباس أهل العلم وتزيّا بزيهم وحضر مجالسهم، ثم ذهب إلى مجالس أهل الدنيا ومن لهم قدرة على إيصال أهل الأعمال الدنيوية إليها من وزير أو أمير، فتصاغر لهم وتذلَّل وتهاون وتحقَّر، حتى يصير في عداد خدمهم ومن هو في أبوابهم، ثم أعطوه منصبًا من المناصب، فعمل على ما يريدونه منه، وإن خالف الشرع واعتمد ما يرسمونه له وإن كان طاغوتًا بحتًا، فيظن من لا علم عنده بحقائق الأمور أن أهل العلم كلهم هكذا وأنهم ينسلخون من العلم إذا ظفروا بمنصب من المناصب هذ الانسلاخ، ويمسخون هذا المسخ. ويعود أمرهم إلى هذا المعاد، فيزهد في العلم وأهله، وتنفر عنه نفسه، وتقل فيه رغبته، ويؤثر الحُرف الدنيوية عليه ليربح السلامة من المهانة التي رآها نازلة بهذا المشؤوم الجالب على نفسه وعلى أهل العلم ما جلب من الذل والصغار. وإذا كان ما جناه هؤلاء النوكاء على العلم وأهله بالغًا إلى هذا الحد عند سائر الناس فما ظنك بما يعتقده فيهم من يطلبون منه المناصب بعد أن شاهد منهم ما يشاهده من الخضوع والذلة والانسلاخ عن الشرع إلى ما يريدونه منه، وبذل الأموال لهم على ذلك، ومهاداتهم بأفخر الهدايا، والوقوف على ما يطلبونه منه على أي صفة تراد منهم، وينضم إلى هذا خلوهم عن العلم وجهلهم لأهله الذين هم أهله، فيظنون أن أولئك الذين قصدوهم وتعثروا على أبوابهم هم رؤوس أهله، لما يشاهدونه عليهم من الهيئة واللباس الفاخر الذي لا يجدونه عند المشتغلين بالعلم. فهل تراهم بعد هذا يميلون إلى ما يقوله أهل العلم ويتزجرون بما يوردونه عليهم من الزواجر الشرعية المتضمنة لإنكار ما هو منكر والأمر بما هو معروف والتخويف لهم عن مجاوزة حدود الله. هيهات أن يصغوا لهذا