الحاصلة لطالبه فيكون ذهنه كليلًا، وفهمه عليلًا، ونفسه خائرة، ونيته خاسرة بل غاية تصوره ومعظم فكرته في اقتناص المنصب والوصول إليه، فيخدم في مدة طلبه واشتغاله أهل المناصب ومن يرجو منهم الإعانة على بلوغ مراده أكثر مما يخدم العلم، ويتردد إلى أبوابهم ويتعثر في مجالسهم، ويذوق به من الإهانة ما فيه أعظم مرارة ويتجرع من الغصص ما يصغر قدر الدنيا بالنسبة إليه. فإذا نال ذلك المنصب ضرب بالدفاتر وجه الحائط، وألقاها خلف السور لعدم الباعث عليها من جهة نفسه والمنشط على العلم والمرغب فيه. فهذا هو شبيه بمن يتعلم مهنة من المهن ويتدرب في حرفة من الحرف فيقصد أهلها حتى يدركها ويكون فيها أستاذًا ثم يذهب إلى دكان من الدكاكين فيعتاش بتلك الحرفة، وليس هو من أهل العلم في ورد ولا صدر، ولا ينبغي أن يكون معدودًا منهم وأن ارتسم في ذهنه منه رسوم فهو من أزهد الناس فيها، وأجفاهم لها وأقلهم احتفالًا بها، ولا فائدة في تعلمه راجعة إلى الدين قط، بل غاية ما استفاده منه العلم وأهله تعريضه وتعريضهم للإهانة عند أهل الدنيا وإيقاعه وإيقاعهم في يد من لا يعرف للعلم قدرًا ولا يرفع له ذكرًا ولا يقيم له وزنًا، كما يشاهد من المتعلقين بالأعمال الدولية (١)، فإنهم يتلاعبون بطلبة المناصب الدنيوية غاية التلاعب ويعرّضونهم للإهانة مرة بعد أخرى، ويتلذذون بذلك ويبتهجون، لأنهم يظنون أنها قد ارتفعت طبقتهم عن طبقات أهل العلم، وحكموا تارة فيهم بالولاية وتارة بالعزل، وتمرغوا على عتباتهم مرة بعد مرة، فبهذه الوسيلة دخل على أهل العلم بما يصنعه هؤلاء من هذه الهنات الوضيعة والفعلات الشنيعة ما تبكي عيون العلم وأهله، وتقوم عليه النواعي، ويغضب له كل من له حمية دينية وهمة علية، ولو علم أولئك المغرورون لم يبتهجوا بمن قصدهم من هؤلاء النوكاء، فإنهم ليسوا