الواردة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، فيَسَّر ولم يعسر، وبشر ولم ينفر وأرشد إلى ائتلاف القلوب واجتماعها ونهى عن التفرق والاختلاف. وجعل غاية همه وأقصى رغبته جلب المصالح الدينية للعباد ودفع المفاسد عنهم. كان من أنفع دعاة المسلمين، وأنجع الحاملين لحجج رب العالمين، وانجذبت له القلوب، ومالت إليه الأنفس، وتذلَّلَ له الصعب، وتسهَّل عليه الوعر وانقلب له المتعصب منصفًا، والمبتدع متسننًا ورغب في الخير من لم يكن يرغب فيه، ومال إلى الكتاب والسنة من كان يميل عنهما، وتردى بأثواب الرواية من كان متجليبًا بالرأي، ومشى في رياض الاجتهاد واقتطف من طيب ثمراته واستنشق من عابق رياحينه من كان معتقلًا في سجن التقليد، مكبلًا بالقيل والقال، مكتوفًا بآراء الرجال.
فإن قُلتَ: ما ذكرته من إنبناء الشريعة المطهرة على جلب المصالح ودفع المفاسد ماذا تريد به؟ هل يلاحظ ذلك النفع والدفع مطلقًا أو في حالة من الحالات؟.
قُلتُ: لا أريد بما قدمته إلَّا أن ما لم يرد فيه نص يخصه ولا اشتمل عليه عموم ولا تناوله اطلاق فحق على العالم المرشد للعباد الطالب للحق أن يستحضر ذلك ويرشد إليه، ويهتم به ويدعو إليه.
وأما مواقع النصوص وموارد أدلة الكتاب والسنة، ومواطن قيام الحجج، فلا جلب نفع ولا دفع ضر أولى من ذلك، وأقرب منه إلى الخير، وأولى منه بالبركة، فهو في الحقيقة مصالح مجلوبة ومفاسد مدفوعة، وإن قصرت بعض العقول عن إدراك ذلك، والإحاطة بكنهه، والوقوف على حقيقته، فمن قصورها أُتيت ومن ضعف إدراكها دُهيت. ومن تدبر ذلك كل التدبر وتأمله بحق التأمل لم يخف عليه، فإن كل جزئيّ من جزئيات الشريعة التي قام الدليل على طلبها والتعبد بها للكل أو البعض مطلقًا أو مقيدًا لا بد