ذلك التحيل الذي جاء به يحلل الحرام ويحرم الحلال، فهو مع كذبه على الله وافترائه على شريعته قد ضم إلى ذلك ما يستلزم أنه يدّعي لنفسه أن يشرع للعباد من عند نفسه غير ما شرعه لهم، وذلك لا يكون إلا لله سبحانه، فإن كان هذا المخذول يدّعي لنفسه الألوهية مع الله سبحانه فحسبك من شر سماعه، وإن كان لا يدعي لنفسه ذلك فيقال له ما بالك تصنع هذا الصنع وأي أمر ألجأك إليه وأوقعك فيه. فإن قال: رأيت الله ﷿ قد صنع مثل هذا في مثل قصة أيوب وصنعه رسول الله ﵌ في المريض الذي زنى. فيقال له: ما أنت وهذا، لا كثر الله في أهل العلم من أمثالك، ومن أنت حتى تجعل لنفسك ما جعله الله لنفسه، فلو كان هذا الأمر الفظيع سائغًا لأحد من عباد الله لكان لهم أن يشرعوا كما شرع، وينسخوا من أحكام الدين ما شاءوا كما نسخ. ثم أي جامع بين هذه أو بين ما شرعه الله من ذلك فإنه مجرد خروج من مأثم وتحلل من يمين قد شرع الله تعالى فيها إتيان الذي هو خير كما تواترت بذلك الأحاديث الصحيحة، حتى ثبت في الصحيح أن رسول الله ﵌ حلف على ذلك فقال:"والله لا أحلف على شيء فأرى غيره خيرًا منه إلا أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني"(١). فأين هذا مما يصنعه أسراء التقليد من الكذب على الله تعالى وعلى شريعته وعلى عباده. أما الكذب على الله فلكونهم زعموا عليه أنه أذن لهم به وسوّغه لهم وهو كذب بحت وزور محض، وإن كانوا لا يعتقدون ذلك بل جعلوه من عند أنفسهم جُرأةً وعنادًا ومكرًا وخداعًا فالأمر أشد والقضية أَعظم. وأما كذبهم على الشريعة فلكونهم جعلوا ما نصبوه من الحيل الملعونة والذرائع الشيطانية والوسائل الطاغوتية من جملة الشريعة
(١) أخرج البخاري ومسلم من حديث طويل عن أبي موسى الأشعري. " .... وإني والله - إن شاء الله - لا أحْلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلّا أتيت الذي هو خير وتحلّلتها" اللؤلؤ والمرجان ٢/ ١٧٢ (١٠٧٠).