للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن مسائلها ودوّنوه في كتب العبادات والمعاملات. وأما الكذب على عباده فلكونهم ذهبوا إليهم فخدعوهم وماكروهم بأن ما أوجبه الله من كذا ليس بواجب وما حرّمه من كذا ليس بمحرم إذا فعلوا كذا أو قالوا كذا. وما أشبه هذا بما كان يصنعه رؤساء الجاهلية لأهلها من التلاعب بهم كما يتلاعب بالصبيان والمجانين، وكما يصنعه المجان وأهل الدعابة. فإن تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وكذلك ما كان يفعلونه من النسيء وما كانوا عليه من الميسر والأنصاب والأزلام، وما كانوا يعتمدونه مع من يطوف بالبيت الحرام من تلك الأفعال التي هي أشبه بأفعال المجانين كالتعري وما يشاكله، لا مقصد لرؤساء الجاهلية بهذه الأمور التي كانوا يفعلونها ويأمرون العباد بها إلا مجرد ارتفاع الذكر وإظهار اقتدارهم على تنفيذ ما يريدونه وقبول الناس لما يأمرونهم به وإن كانت أمورًا متكررة وبلايا متعددة وأعمالًا شاقة. فتدبر هذا وتأمله لتكون على حذر من نفاق ما جاءوا به من الحيل الباطلة عندك، وإلا كنت كالبهيمة التي لا تمنع ظهرها من راكب، ولا تستعصي على مستعمل. وقد دلت أدلة الكتاب والسنة على هذا، وكفاك بما قصه الله سبحانه علينا من حيلة أهل السبت. وقد أورد البخاري في كتاب الحيل من صحيحه ما يشفي ويكفي (١)، ولبعض المتأخرين في هذا مصنّف حافل استوعب فيه جميع الأدلة، وهي معلومة لعلماء الكتاب والسنة، ولكننا اقتصرنا ههنا على بيان الأسباب التي تنشأ عنها الحيل والمفاسد التي تتأثر عنها ليكون ذلك أدفع للمنصف وأوقع في نفسه كما هو دأبنا في هذا المختصر. فإنا نشير إلى القضية التي ينبغي اجتنابها بكلمات لا تنبو عنها مسامع المنصفين ولا تنكرها قلوبهم. ولا تبعد عنها أفهامهم. وإذا حصل المقصود بالاختصار لم تبق للتطويل حاجة، وقد ينفع القليل نفعًا لا يبلغه الكثير على أنّا لم نكن بصدد نشر الأدلة وإيراد ألفاظها فإنها معروفة مدونة.


(١) انظر: صحيح البخاري ٩/ ٢٩ - ٣٧ (كتاب الحيل).

<<  <   >  >>