بل نحن بصدد الإرشاد إلى الإنصاف بعبارات تشتمل على معان قد تحتجب عن كثير من الأذهان، وتبعد عن غالب الأفهام.
ومن جملة ما ينبغي له استحضاره: أن لا يغتر بمجرد الاسم دون النظر في معاني المسميات وحقائقها فقد يسمي الشيء باسم شرعي وهو ليس من الشرع في شيء، بل هو طاغوت بحت، وذلك كما يقع من بعض من نزعه عرق إلى ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث الإناث فإنهم يخرجون أموالهم أو أكثرها أو أحسنها إلى الذكور من أولادهم بصورة الهبة والنذر والوصية أو الوقف، فيأتي من لا يبحث عن الحقائق فينزل ذلك منزلة التصرفات الشرعية اغترارًا منه بأن الشارع سوّغ للناس الهبة والنذر والوصية. غير ملتفت إلى أن هذا لم يكن له من ذلك إلا مجرد الاسم الذي أحدثه فاعله ولا اعتبار بالأسماء بل الاعتبار بالمسميات، فالهبة الشرعية هي التي أرشد إليها النبي ﵌:"لما سأله بشير والد النعمان عن تخصيص ولده النعمان بشيء من ماله وطلب منه أن يشهد على ذلك فقال لا أشهد على جور، ووقع منه الأمر بالتسوية بين الأولاد" وهو حديث صحيح له طرق متعددة (١). فالهبة المشتملة على التفصيل المخالف لفرائض الله ليست بهبة شرعية بل هي جور مضاد لما شرعه الله. فإطلاق اسم الهبة عليها مخادعة لله ولعباده، فلا ينفذ من ذلك شيء بل هو باطل رده لكونه ليس على أمر النبي ﵌. وهكذا من خصص بعض ورثته بنذر يخالف ما شرعه الله من الفرائض. فهذا ليس هو النذر الذي شرعه الله بل هو نذر طاغوتي. فإن النذر الذي شرعه الله سبحانه هو الذي يقول فيه النبي ﵌:"النذر ما ابتغي به وجه الله" ويقول: "لا نذر في
(١) أخرج حديث النعمان بن بشير، البخاري ومسلم بألفاظ قريبة لما أورده المؤلف، اللؤلؤ والمرجان ٢/ ١٦٢ (١٠٤٨ - ١٠٤٩).