للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهم على غاية الكتم لما عندهم والتستر بما لديهم، خوفًا من المتمذهبين، لأنهم قد جعلوا المذهب الذي هم عليه حجة شرعية على كل فرد من أفراد العباد، لا يخرج عنه خارج، ولا يخالفه مخالف، إلا مزقوا عرضه وأهانوه وأخافوه، والدولة في كل أرض معهم وفي أيديهم. والملوك معهم لأنهم من جنسهم في القصور والبعد عن الحقائق. وإذا وجد النادر من الملوك، والشاذ من السلاطين، له من الإدراك والفهم للحقائق ما يعرف [به] (١) الحق والمحقين، فهو تحت حكم المقلدة وطوع أمرهم لأنهم جُندُه ورعيته، فإذا خالفهم خالفوه، فيظن عند ذلك ذهاب ملكه، وخروج الأمر من يده، وإذا كان الحال هكذا فكيف يمكن الوقوف على ما عند كل عالم من علماء الإسلام. هذا باعتبار الأحياء، وهو في أهل العصور المنقرضة من الأموات أشد بعدًا وأعظم تعذرًا، فإنه لا سبيل إلى ذلك إلا ما يوجد في المصنفات، وما كل من يعتد به في الإجماع يشتغل بالتصنيف، بل المشتغلون بذلك منهم هم القليل النادر. ومع هذا فمن اشتغل منهم بالتصنيف لا يحظي بانتشار مؤلفاته منهم إلا أقلهم. وهذا معلوم لكل أحد لا يكاد يلتبس، ولا شك أن من الملوك من يصر على أمر مخالف للشرع فلا يستطيع أحد من أهل العلم أن ينكر عليه أو يظهر مخالفته تقية ومحاذرة ورغبة في السلامة، وفرارًا من المحنة. وبالجملة فالدنيا مؤثرة في كل عصر، وإذا عجز الملك عن إظهار مذهبه، على فرض أنه من أهل الإدراك والحال أن بيده السيف والسوط فما ظنك بعالم مستضعف لم يكن بيده إلا أقلامه ومحبرته.

ومما أحكيه لك مما أدركته في أيام الحداثة ومن الصبا: أن الإمام المهدي العباس بن الحسين (٢) رحمه الله تعالى أحد ملوك اليمن ووالد إمامنا


(١) زيادة من (ب).
(٢) هو الإمام المهدي عباس بن الحسين بن المتوكل تولى إمامة اليمن من سنة ١١٦١ إلى سنة ١١٨٢ (انظر ترجمته في كتاب المؤلف البدر الطالع ج ١ ص ٣١٠).

<<  <   >  >>