للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإمام المنصور حفظه الله، كان له إدراك تام، وفهم ثاقب، واتصل بمقامه من أكابر العلماء المنصفين العالمين بالأدلة جماعة فأظهر في الصلاة سننًا كانت متروكة بترك المتمذهبين لها فقامت قيامة جماعة من المتفيهقين المقلدين، وأثاروا حفائظ جماعة من شياطين البدوان الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ولا يدرون من الدين إلا رسمه، فتجمعوا في بواديهم وقالوا قد خرج الإمام من مذهب الشيعة إلى مذهب السنّة، ومن الاقتداء بعلي بن أبي طالب، إلى الاقتداء بمعاوية. كما لقنهم هذه المقالة شياطين المقلدة. ثم خرجوا عليه في جند يعجز عن مقاومتهم، فما وسعه إلا مصانعتهم بالمال والإعلان بترك تلك السنن التي هي أوضح من شمس النهار.

وأحكي لك أيضًا حادثة أشنع من هذه كائنة في عام تحرير هذه الأحرف: هي أني لم أزل منذ اتصلت بخليفة عصرنا حفظه الله مرغبًا له في العدل في الرعية على الوجه الذي ورد الشرع به، ورفع المظالم المخالفة لقطعيات الشريعة كالمكس (١) ونحوه، والاقتصار على ما ورد به الشرع وعدم مُجاوزته في شيء، فألهمه الله سبحانه إلى الإجابة إلى ذلك بعد طول مداراة وترغيب، فجعلت مكتوبًا (٢) محكيًا عنه مضمونه أنه قد أمر عماله بالعدل في الرعية ورفع كل مظلمة والاقتصار على ما ورد به الشرع في كل شيء، وإن من لم يمتثل هذا الأمر كان على القاضي في ذلك القطر أن ينهي أمره إلى حضرة الإمام حتى يحل به من العقوبة ما يردعه ويردع أمثاله. وفي هذا المكتوب التشديد في الربا والسياسية الشيطانية والأخذ على قضاة الأقطار أن يبعثوا من يُعلِّم الناس أمر دينهم، من الصلاة والصيام والحج والزكاة والتوحيد على الوجه المطابق لمراد الله ﷿. وقرر الإمام ذلك وأنفذه


(١) هو ما يشبه الآن نظام الجمارك (الحبشي).
(٢) انظر نصّ الرسالة في التقصار ص ٢٤٧ - ٢٤٨.

<<  <   >  >>