للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع عدم إنكار من بتلك الديار من العلماء بل كان الكثير منهم يحضرون تلك المجامع ويشهدون تلك الزيارات، فتكون المنكرات وما يحدث من أنواع الشرك بمرأى منهم ومسمع، فكتبت رسالة إلى العلماء من أهل تلك الديار على يد رجل من أهل العلم الراحلين إلى هنالك، فلما عاد أخبرني بما حصل من الاستنكار منهم لما كتبته إليهم وعدم الاعتداد به والالتفات إليه فقضيت من ذلك العجب. ثم لما ولى القضاء ببعض البنادر التهامية بعض علماء صنعاء الأكابر وشاهد من هذه المنكرات ما حمله على أن يحرر إليّ سؤالًا فأجبته برسالة مطولة سميتها: "الدر النضيد في اخلاص كلمة التوحيد" (١)، وأمرته أن يكتب منها نسخًا ويرسلها إلى القضاة في تلك الديار ففعل ولم يؤثِّر ذلك شيئًا، بل كتب كبير علماء تلك الديار على رسالتي مناقشات واعتراضات. فلم تمض إلا أيام قلائل حتى نزل بهم السيف وهدم الله تلك الطواغيت، وذهب بتلك الاعتقادات الفاسدة، فهي الآن صافية عن تلك الأمور التي كان يتلوث بها أهلها، فلا يقدر أحد منهم أن يستغيث بغير الله سبحانه، أو ينادي ميتًا من الأموات، أو يجري ذكره على لسانه. ولكنه لم يغسل أدرانهم ويذهب بالكدورات التي كانت تشوب صافي إسلامهم إلا السيف وهو الحكم العدل، في من استحكمت عليه نزعات الشيطان الرجيم، ولم تردعه قوارع آيات الرحمن الرحيم.

ويلتحق بالأمرين المذكورين أمر ثالث: وإن لم تكن مفسدته كمفسدتهما، ولا شموله كشمولهما، وهو ما صارت عليه هذه الطائفة المدعوة بالمتصوفة، فقد كان أول هذا الأمر يطلق هذا الاسم على من بلغ في الزهد والعبادة إلى أعلى مبلغ، ومشى على هدي الشريعة المطهرة، وأعرض عن الدنيا وصد عن زينتها، ولم يغتر ببهجتها، ثم حدث أقوام


(١) هذه الرسالة مطبوعة في مصر (١٣٥٠ هـ / ١٩٣٢ م).

<<  <   >  >>