للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأعجب من هذا كله تصريح جماعة من أهل الفقه بأنه لا بأس بذلك إذا كان الميت فاضلًا، ودونوه في مصنفاتهم التي هي مدارس الطلبة، وضربوا بما ذكرناه من الأدلة في وجه من جاء به ورموا بها خلف الحائط. ولم يردعهم دين ولا وزعهم حياء وقابلوا بما أسلفنا بقولهم أنه قد استحسن رفع هذه القباب وتزيين هذه القبور بعض السلف. فلا كثر الله في أهل العلم (من أمثالكم) (١) ولا من أمثال من استحسن مخالفة الشرع من السلف الذين صرتم تقولون عليهم بما لم يقولوه، فإنه إذا صح ما تزعمونه من أنه استحسن ذلك بعض السلف فلا حجة في استحسان من استحسن مخالفة الشرع كائنًا من كان. فإنه أول مبتدع ومخالف للشرع وعاص الله ولرسوله وللشريعة المطهرة (٢).

ولقد تزلزل بهذا السبب أقدام كثير من العباد عن الإسلام، وذهب بهذه الذريعة إيمان جماهير من الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فإنها لو كانت القبور على الصفة التي شرعها الله وعلمها الأمة، رسولُ الله لم يحدث من هذه الاعتقادات الفاسدة شيء. ولا يشك عاقل أن أعظم ما أدخل فاسد الاعتقاد في صدور كثير من العباد هو هذا الأمر مع سكوت العلماء عن البيان الذي أمرهم الله به ومجاملتهم للعامة، إما مع علمهم بما في هذا الأمر من الخطر، أو مع غلبة العادات الطارئة عليهم لما عندهم من العلم، حتى ذهب ذلك بما يعلمونه ومحق بركته وأبطل ثمرته.

ومما أحكيه لك: أنه كان يبلغني وأنا في الطلب للعلم والاشتغال به ما يصنعه أهل القطر التهامي في الاجتماع لزيارة جماعة من المعتقدين لديهم وما يحدث منهم عند ذلك من النهيق الذي لا يعود صاحبه إلى الإسلام سالمًا


(١) ساقط من (ب).
(٢) للمؤلف رسالة مطولة حول هذا الموضوع بعنوان: شرح الصدور في تحريم رفع القبور، نشرت ضمن: الرسائل السلفية، القاهرة: (١٣٤٨ هـ).

<<  <   >  >>