باب من أبواب الشرع أهمله الناس وخالفوا فيه السنن الواضحة والشرائع الثابتة، ولا سيما بعد أن استعلى الجهل على العلم وغلبت آراء الرجال ما جاء في الكتاب والسنة، وصار التقليد والتمذهب هو المعروف عند الجمهور، وغيره المنكر، ولا اعتبار بسكوت أهل العلم الذي هم أهله فإنهم مغلوبون مكثورون مخبوطون بسوط العامة الذي منهم السلاطين وجنودهم كما قدمنا الإشارة إلى هذا، وإطباق أهل المشرق والمغرب على الكتابة هو كإطباقهم على رفع القبور وتجصيصها ووضع القباب عليها وجعلها مساجد، فخالفوا ما تقدم عنه ﵌ مع مخالفتهم لما ثبت في الصحيح عنه ثبوتًا لا يخالفه فيه مخالف من أن النبي ﵌ قال:"لا تجعلوا قبري مسجدًا لا تجعلوا قبري وثنا لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"(١) وكان هذا القول من آخر ما قاله في مرض موته كما ثبت، آخر ما قاله ﵌:"الأمر بإخراج اليهود من جزيرة العرب والنهي عن اتخاذ قبره مسجدًا وتنفيذ جيش أسامة"(١) ثم كان الواقع من أمته بعد هذا التأكيد أنهم بنوا على قبره الشريف قبة. وما زال ملوك الإسلام يبالغون في تحسينها وتزيينها ورفع سمكها، ووضعوا القباب ورفعوا القبور، وكانوا يفعلون هذا بأهل الصلاح. ثم تزايد الشر وصاروا يفعلون ذلك لمن له رئاسة دنيوية. وإن كان من أفجر الفجرة. وقد يوصي الميت في وصيته بذلك.
(١) أخرجه البخاري ومسلم: اللؤلؤ والمرجان ١/ ١٠٧ (٣٠٧ - ٣٠٨) وأخرج الطبراني من حيث أسامة بن زيد بلفظ: لعن الله اليهود؛ الطبراني: ١/ ١٦٤ (٣٩٣)، ١٦٧ (٤١١)؛ أحمد ٥/ ٢٠٤؛ ووردت أيضًا روايات متعددة بألفاظ متقاربة انظر: البيهقي السنن الكبرى ٤/ ٨٠؛ دلائل النبوة ٧/ ٢٠٤، أبو داود (٣٢٢٧)؛ الترمذي (٢٢٦، ٧٨٢، ١٢٤١)؛ مجمع الزوائد ٢/ ٢٧، ٤/ ٢، المستدرك ٤/ ١٩٤؛ النسائي: الجنائز (١٠٥، ١٠٦)؛ أحمد ١/ ٢١٨، ٢/ ٢٦٠، ٢٨٤ - ٢٥، ٥/ ١٨٤، ١٨٦.