للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما دفع بالشوكاني إلى رصد وتحليل الأسباب الباعثة على التعصب الفكري والمذهبي بوصفه العائق الأساسي أمام العقل والمؤدي إلى الانحراف بالفكر عن مساره الصحيح وخروجه عن دائرة الإنصاف (الموضوعية)، وقد بذل الشوكاني جهدًا كبيرًا في استقصاء هذه الأسباب والظواهر، والاستفاضة في شرحها وتحديد أبرز مظاهرها ونتائجها، ومخاطرها على الدين والعلم والعقل .. إلخ (تشكل مادة هذا الموضوع نصف حجم الكتاب تقريبًا) مستعينًا في توضيح وشرح الموضوع - بغية تقريبه للأذهان - بتجربته الشخصية كطالب ومدرس ومجتهد. ويتجلى في هذا الفصل ملامح المنهج العلمي عند الشوكاني بوضوح، "لأن النشاط العقلي للإنسان لا يكون علميًّا بالمعنى الصحيح إلا إذا استهدف معرفة الظواهر وتعليلها ولا تكون الظاهرة مفهومة بالمعنى العلمي إلا إذا توصلنا إلى معرفة أسبابها كما إن من المستحيل التوصل إلى النتائج دون معرفة أسباب العلل والأمراض لنتمكن من معالجتها" (١). وأمراض الفكر كما يراها الشوكاني لا يمكن إجتنابها والتحرر منها إلا بعد معرفة أسبابها: "فإن عرفها [الباحث] بعد التدبر فليجتنبها كما يتجنب العليل ما ورد عليه من الأمور التي كانت سببًا لوقوعه في المرض، وإن خفيت عليه العلة التي حالت بينه وبين الحق فليسأل من له ممارسة للعلم ومعرفة بأحوال أهله، كما يسأل المريض الطبيب إذا لم يعرف علته، فقد يكون دفع العلة بمجرد تجنب الأسباب الموقعة في العلة كالحمية .. وقد يكون دفعها باستعمال الأدوية، وهكذا علة التعصب فإنه إذا عُرف سببه أمكن الخروج منه باجتنابه وإن لم يعرف سأل المنصفين من أهل العلم" (ص ١٤٣).

كما قام المؤلف بوضع عدة معايير يمكن بواسطتها معرفة مدى التزام الباحث بالموضوعية وتحرره من التعصب، وأهم تلك المعايير:


(١) فؤاد زكريا التفكير العلمي ص ٣٧ - ٣٩.

<<  <   >  >>