ويزيد القلب سرورًا والنفس انشراحًا ص (٢٠٧) ومن ناحية ثانية يحث الشوكاني طلبة العلم على ألّا يتقوقعوا على مذهبهم، ويقتصروا في دراستهم واطلاعهم عليه، بل يجب عليهم الانفتاح والإطلاع على كل ما لدى الآخرين من أصحاب المذاهب الأخرى، سواء أكان ذلك في علم الأصول (علم الكلام) أو الفروع (الفقه) ولا يكتفي بالاطلاع على كتب المشهورين منهم فقط، لأن الباحث قد يتحصل على فوائد عند من كان أقل علمًا أو أقل شهرة لا توجد في مؤلفات المشهورين" (ص ٢٠٤ - ٢٠٥).
وينصح الباحث بضرورة الإطلاع على آراء كافة الفرق والمذاهب ومعرفة وجهة نظرها وفكرها الحقيقي من مصادرها هي لا من مصادر غيرها (ص ١٩٦ - ١٩٧).
والخلاصة: فإن هذه النظرة الانفتاحية التي تميز فكر الشوكاني بخاصة والمذهب الزيدي بعامة هي من الأهمية بمكان، سواء أكان ذلك في عصر الشوكاني أم في عصرنا، لأن الجمود والتخلف الذي لحق بالمسلمين منذ عدة قرون ولا نزال نعاني منه حتى الآن، يرجع قسم كبير منه إلى قصر النظر وضيق الأفق الذي أفرزه التقليد والتعصب المذهبي، فقد ابتدأت أوائل مظاهر هذا الضيق، في القرنين الثالث والرابع الهجري - والحضارة العربية الإسلامية في أوج ازدهارها - عندما بدأ الصراع والتنافس بين التيارين الفكريين الرئيسيين "أهل الأثر" و"أهل الرأي" ولجوء "أهل الأثر" والمتمثل في تيار السلف وأصحاب الحديث إلى تنفير الناس من علوم الرأي وخاصة علم الكلام، والتشديد في الأنكار على من يتعلمه أو ينظر فيه (١).
وتلى ذلك في مرحلة لاحقة، وهي مرحلة تبلور الفرق والمذاهب الإسلامية واشتداد الصراع فيما بينها وادعاء كل فرقة بأن رأيها أو اجتهادها