للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكر الزيدية ومنهجها بالاعتدال والتوسط، والابتعاد عن الغلو والتفريط في كل القضايا الفكرية، سواء في الأصول أو الفروع، ومن تلك القضايا مسألة التشيع، وهذا ما ميَّز الزيدية عن معظم فرق الشيعة (الغالية)، بالرغم من التقائها مع تلك الفرق على تفضيل الإمام علي على بقية الصحابة، وجعل مسألة "الإمامة" من مسائل الأصول، وحصرها في أبناء الإمام علي (من فاطمة) إلّا أنهم يختلفون عنهم في مسائل كثيرة من أهمها: نفيهم لعصمة الأئمة، والحلولية والعلم اللدني، وينكرون الرجعة .. إلخ. وهذا أبعدهم عن تقديس وتأليه أئمة أهل البيت، كما إن عدم ذهابهم إلى القول بالنص "الجلي" على إمامة الإمام علي، وإقرارهم بإمامة المفضول مع وجود الفاضل، جعلهم يعترفون بشرعية الخلفاء الثلاثة السابقين للإمام علي. وجنَّبهم الخوض في تكفير الصحابة الذين خالفوا عليًا، أو قدموا عليه الثلاثة. ومن هنا فإن أي تجاوز لذلك النهج الذي يُميز الزيدية (العقلانية، الاعتدال، وحرية الاجتهاد والفكر، ونبذ التقليد) والميل إلى التقليد أو التعصب أو الغلو في التشيع، إنما هو خروج عن الزيدية نفسها وأي فرد أو جماعة تتجاوز هذا النهج، قد يطلق عليها صفة أو لقب التيار الفكري الذي تميل إليه (١). وكان حدوث مثل هذا الأمر (التقليد أو الغلو في التشيع) إنما هو بمثابة أمر طارئ على الفكر الزيدي، وكان محل نقد واستهجان من كافة العلماء والمجتهدين في اليمن ومنهم الشوكاني، وغالبًا ما كان ظهور مثل تلك الحالات، وفي فترات متقطعة من تاريخ الفكر الزيدي، مرتبطًا بأحد العاملين التاليين (أو كليهما):


(١) يطلق الزيدية عادة على أي شخص يجنح إلى الغلو في التشيع لقب "رافضي" أو "جارودي" نسبة إلى أبي الجارود (ت بعد ١٥٠ هـ) الذي تنسب إليه إحدى فرق الزيدية القديمة، وكان من غلاة أهل الكوفة ابتعد كثيرًا عن منهج الإمام زيد فأصبح قريبًا من فرقة الإمامية الأثنى عشرية.

<<  <   >  >>