للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كمن يريد به الظفر بشيء من المال أو الوصول إلى نوع من الشرف أو البلوغ إلى رئاسة من رئاسات الدنيا أو جاه يحصله به فإن العلم طيّب لا يقبل غيره ولا يحتمل الشركة والروائح الخبيثة إذا لم تغلب على الروائح الطيّبة، فأقل الأحوال أن تساويها وبمجرد هذه المساواة لا يتبقى للطيّب رائحة والماء الصافى العذب الذي يستلذه شاربه كما يكدره الشيء اليسير من الماء المالح فضلًا عن غير الماء من القاذورات بل يُنغِّصُ لذَّته مجرد وجود القذاة فيه ووقوع الذباب عليه هذا على فرض أن مجرد تشريك العلم مع غيره له حكم هذه المحسوسات وهيهات ذلك فإن من أراد أن يجمع في طلبه العلم بين قصد الدنيا والآخرة فقد أراد الشطط وغلط أقبح الغلط، فإن طلب العلم من أشرف أنواع العبادة وأجلّها وأعلاها، وقد قال الله سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥] فقيّد الأمر بالعبادة بالإخلاص الذي هو روحها، وصحّ عن رسول الله حديث: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى" (١) وهو ثابت في دواوين الإسلام كلها، وقد تلقته الأمة بالقبول، وإن كان أحاديًّا أجمع جميع أهل الإسلام على ثبوته وصحته. وقد تقرّر في علم البيان والأصول بأن (إنما) من صيغ الحصر وثبت القول بذلك عن الصحابة رُوِيَ عن ابن عباس أنه احتجّ على اختصاص الربا بالنسيئة بحديث "إنَّما الربا في النسيئة" (٢) ولم يخالفه الصحابة في فهمه، وإنما خالفوه في الحكم مستدلين بأدلة أخرى مصرحة بثبوت ربا الفضل، وكما أن هذا


(١) أخرجه البخاري ومسلم اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ٢/ ٢٦٠ - ٢٦١ (رقم ١٢٤٥)؛ ابن ماجة (٤٢٢٧) البيهقي ١/ ١١، ٢١٥، ٢٩٨؛ أبو داود (٢٢٠١)؛ الترمذي (١٦٤٧)؛ النسائي ١/ ٥٨، ٦/ ١٥٨، ٧/ ١٣.
(٢) أخرجه البخاري ومسلم بلفظ "لا ربا إلا في النسيئة" اللؤلؤ والمرجان ٢/ ١٥٣ (١٠٢٧).

<<  <   >  >>