التركيب يفيد ما ذكرناه من الحصر كذلك لفظ الأعمال "بالنية"(١) أو بالنيات كما ورد في بعض ألفاظ الحديث الثابتة في الصحيح فإن الألف واللام تفيد الاستغراق وهو يستلزم الحصر وهكذا ورد في بعض ألفاظ الحديث لا عمل إلا بنية وهي أيضًا من صيغ الحصر بل هي أقواها والمراد بالأعمال هنا: أفعال الجوارح حتى اللسان فتدخل الأقوال ومن نازع في ذلك فقد أخطأ، ثم لا بدّ لقوله بالنيات من تقدير متعلق عام لعدم ورود دليل يدل على المتعلق الخاص فيقدر الوجود أو الكون أو الاستقرار أو الثبوت أو ما يفيد مفاد ذلك فيكون التقدير إنما وجود الأعمال وكونها واستقرارها أو ثبوتها بالنيات فلا وجود أو لا كون أو لا استقرار أو لا ثبوت لما لم يكن كذلك وهو ما ليس فيه نية، لا يقال أن تقدير الثبوت والوجود والكون ونحوها يستلزم عدم وجود الذات مع عدم النية وقد وجدت في الخارج، لأنا نقول المراد الذات هو الشرعية وهي غير موجودة ولا اعتبار بوجودات غير شرعية ونفي الذات هو المعنى الحقيقي فلا يُعدل عنه إلى غيره إلّا لصارف، ولا صارف هنا على أنه لو فُرض وجود صارف إلى المعنى المجازي لم يكن المقدر ههنا إلّا الصحة أو ما يفيد مفادها وهي مستلزمة لنفي الذات، فتقرر بمجموع ما ذكرنا أن حصول الأعمال وثبوتها لا يكون إلّا بالنية فلا حصول أو لا ثبوت لما ليس كذلك، فكل طاعة من الطاعات وعبادة من العبادات إذا لم تصدر عن إخلاص نية وحسن طويّة لا اعتداد بها، ولا التفات إليها، بل هي إن لم تكن معصية فأقل الأحوال أن تكون من أعمال العبث التي هي بما يصدر عن المجانين أشبه منها بما يصدر عن العقلاء.
ومن أهم ما يجب على طالب العلم تصوّره عند الشروع، واستحضاره عند المباشرة بل وفي كل وقت من أوقات طلبه مبتديًا ومنتهيًا متعلّمًا وعالمًا
(١) ورد لفظ "إنما الأعمال بالنية … " عند مسلم في باب الإمارة (١٥٥)، النسائي ١/ ٥٨، ٦/ ١٥٨، ٧/ ١٣.