للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن السلف والآخر عن الأول (١)، وانضم إلى ذلك قصورهم عن إدراك الحقائق بسبب التغيير الذي ورد عليهم ممن وجوده، قبلهم، وإذا وُجد فيهم من يعرف الحق والمحقين فهو لا يستطيع أن ينطق بذلك مع أخص خواصه وأقرب قرابته فضلًا عن غيره لما يخافه على نفسه أو على ماله أو على جاهه بحسب اختلاف المقاصد وتباين العزائم الدينية فيحصل من قصور هؤلاء مع تغيّر فطرهم، بمن أرشدهم إلى البقاء على ما هم عليه، و [اعتقاد] أنه الحق وخلافه الباطل، وسكوت من له فطنة ولديه عرفان وعنده إنصاف عن تعليمهم معالم الإنصاف، وهدايتهم إلى طرق الحق، ما يوجب جمودهم على ما هم عليه، واعتقادهم أن الحق مقصور عليه، منحصر فيه وأن غيره ليس من الدين، ولا هو من الحق، فإذا سمع عالمًا من العلماء يفتي بخلافه أو يعمل على ما لا يوافقه اعتقد أنه من أهل الضلال ومن الدّعاة إلى البدعة (٢)، وهذا إذا عجز عن إنزال الضرر به بيده أو لسانه، فإن تمكن من ذلك فعله معتقدًا أنه من أعظم ما يتقرّب به إلى الله ويدخره في صحائف حسناته ويتاجر الله به، وهذا معلوم لكل أحد. وقد شاهدنا منه ما لا يأتي عليه حصر ولا تحيط به عبارة، بل قد يبلغ هذا المتعصب في معاداة من يخالفه إلى حد تجاوز به عداوته لليهود والنصارى، ولو علم المخدوع المغرور بأن سعيه ضلال وعمله وبال وأنه من ﴿بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)[الكهف: ١٠٣، ١٠٤] لأقصر عن غوايته وأرعوى عن بعض جهله، لكنه جهل قدر نفسه وخسران سعيه وتحامى غيره من أهل المعرفة والفهم، إرشاده إلى الحق وتنبيهه على فساد ما هو فيه مخافة على نفسه منه وممن يشابهه في ذلك. فتعاظم الشر،


(١) راجع فتح القدير، للشوكاني ٢/ ١٩٨ - ١٩٩، الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد ص ١٠٢، المقبلي، العلم الشامخ ص ١٤٦، ١٩٦، ٢٨٠ - ٢٨١.
(٢) انظر: القول المفيد للشوكاني ص ٤٠.

<<  <   >  >>